
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
المسائل والحوائج على اختلافها وتباينها واتحاد وقتها، ولا يتبرَّمُ بإلحاح المُلِحِّين، ولا تنقصُ ذرَّةٌ من خزائنه، لا إله إلا هو العزيزُ الحكيم.
فحينئذٍ يقومُ القلبُ بين يدي الرحمن مُطْرِقًا لهيبته، خاشعًا لعظمته، عانٍ لعزَّته، فيسجدُ بين يدي المَلِك الحقِّ المبين سجدةً لا يرفعُ رأسَه منها إلى يوم المزيد.
فهذا سَفَرُ القلب وهو في وطنه وداره ومحلِّ مُلكِه، وهذا من أعظم آيات الله وعجائب صُنعِه؛ فيا له من سفَرٍ ما أبركَه وأروحَه، وأعظمَ ثمرتَه وربحَه (1)، وأجلَّ منفعتَه وأحسنَ عاقبتَه! سفرٌ هو حياةُ الأرواح، ومفتاحُ السَّعادة، وغنيمةُ العقول والألباب، لا كالسَّفر الذي هو قطعةٌ من العذاب.
فصل (2) وإذا نظرتَ إلى الأرض كيف خُلِقَت، رأيتَها من أعظم آيات فاطرها وبديعها، خلقها سبحانه فِراشًا ومِهادًا، وذلَّلها لعباده، وجعل فيها أرزاقَهم وأقواتهم ومعايشهم، وجعل فيها السُّبل لينتقلوا فيها (3) في حوائجهم وتصرُّفاتهم، وأرساها بالجبال فجعلها أوتادًا تحفظُها لئلَّا تميدَ بهم (4)، ووسَّع أكنافَها، ودحاها فمَدَّها وبَسَطها، وطحاها فوسَّعها من جوانبها،