{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24].

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
وعلمه ورحمته وحكمته وإمكان ما أخبر به من إحياء الخلائق بعد موتهم كما أحيا هذه الأرض بعد موتها.
وهذه أمورٌ لا تُدْرَكُ إلا ببصر القلب ــ وهو العقل ــ؛ فإنَّ الحِسَّ دلَّ على الآية، والعقلَ دلَّ على ما جُعِلَت آيةً له، فذكر سبحانه الآيةَ المشهودةَ بالبصر، والمدلولَ عليه المشهودَ بالعقل، فقال:
{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24].
فتباركَ الذي جعل كلامَه حياةً للقلوب وشفاءً لما في الصدور.
وبالجملة؛ فلا شيء أنفعُ للقلب من قراءة القرآن بالتدبُّر والتفكُّر؛ فإنه جامعٌ لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين، ومقامات العارفين، وهو الذي يورثُ المحبةَ والشوقَ والخوفَ والرجاءَ والإنابةَ والتوكُّل والرضا والتفويض والشكرَ والصبرَ وسائر الأحوال التي بها حياةُ القلب وكمالُه، وكذلك يزجرُ عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فسادُ القلب وهلاكُه.
فلو عَلِمَ الناسُ ما في قراءة القرآن بالتدبُّر لاشتغلوا بها عن كلِّ ما سواها، فإذا قرأه بتفكُّرٍ حتى مرَّ بآيةٍ هو محتاجٌ إليها في شفاء قلبه كرَّرها ولو مئة مرَّة، ولو ليلة؛ فقراءةُ آيةٍ بتفكُّرٍ وتفهُّمٍ خيرٌ من قراءة ختمةٍ بغير تدبُّرٍ وتفهُّم، وأنفعُ للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذَوْقِ حلاوة القرآن.
وهذه كانت عادة السَّلف، يردِّدُ أحدُهم الآيةَ إلى الصباح (1)، وقد ثبت