«أخذَ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه بيدي، فأخرجني ناحيةَ الجَبَّانة (1)، فلما أصْحَرَ جعلَ يتنفَّس، ثمَّ قال: يا كميل بن زياد، القلوبُ أوعية، فخيرُها أوعاها للخير، احفظْ عنِّي ما أقول: الناسُ ثلاثة؛ فعالمٌ ربَّاني، ومتعلِّمٌ على سبيل نجاة، وهَمَجٌ رعاعٌ أتباعُ كلِّ ناعق، يميلون مع كلِّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق. العلمُ خيرٌ من المال، العلمُ يحرسُك وأنت تحرسُ المال، العلمُ يزكو على الإنفاق ــ وفي رواية: على العمل ــ والمالُ تَنْقُصُه النفقة، العلمُ حاكم والمالُ محكومٌ عليه، ومحبةُ العلم (2) دينٌ يُدانُ بها، العلمُ يُكْسِبُ العالِمَ الطاعةَ في حياته، وجميلَ الأُحدوثة بعد وفاته، وصنيعةُ المال تزولُ بزواله، مات خُزَّانُ الأموال وهم أحياء، والعلماءُ باقون ما بقي الدَّهر، أعيانُهم مفقودة، وأمثالُهم في القلوب موجودة. هاه .. هاه .. إنَّ ههانا علمًا ــ وأشار بيده إلى صدره ــ لو أصبتُ له حَمَلة! بلى (3) .. أصبتُ لَقِنًا (4) غير مأمونٍ عليه، يستعملُ آلةَ الدين للدنيا، يستظهرُ بحُجَج الله على كتابه، وبنعمه على عباده، أو منقادًا لأهل الحقِّ، لا بصيرةَ له في أحنائه (5)، ينقدحُ الشكُّ في قلبه بأول عارضٍ من شبهة، [ألا] لا ذا ولا
