{يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة: 33]
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
والله سبحانه خَلَق الملائكةَ عقولًا بلا شهوات، وخَلَق الحيوانات ذوات شهواتٍ بلا عقول، وخَلَق الإنسانَ مركَّبًا من عقلٍ وشهوة؛ فمن غَلَب عقلُه شهوتَه كان خيرًا من الملائكة، ومن غَلَبَت شهوتُه عقلَه كان شرًّا من الحيوانات (1).
وفاوتَ سبحانه بينهم في العلم؛ فجعلَ عالِمَهم معلِّمَ الملائكة، كما قال تعالى:
{يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة: 33]
، وتلك مرتبةٌ لا مرتبةَ فوقها، وجعلَ جاهلَهم بحيثُ لا يرضى الشيطانُ به ولا يَصْلُح له، كما قال الشيطانُ
لجاهلهم الذي أطاعه في الكفر:
{إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ} [الحشر: 16]
، وقال لجَهَلَتِهم الذين عصوا رسولَه:
{إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ} [الأنفال: 48].
فلِلَّه ما أشدَّ هذا التفاوت بين شخصين، أحدهما: تسجدُ له الملائكةُ ويعلِّمها مما علَّمه الله، والآخر: لا يرضى الشيطانُ به وليًّا! وهذا التفاوتُ العظيمُ إنما حصلَ بالعلم وثمرته، ولو لم يكن في العلم إلا القُربُ من ربِّ العالمين، والالتحاقُ بعالَم الملائكة، وصحبةُ الملأ الأعلى؛ لكفى به فضلًا وشرفًا، فكيف وعزُّ الدُّنيا والآخرة منوطٌ به ومشروطٌ بحصوله؟! الوجه الثالث والثمانون: أنَّ أشرفَ ما في الإنسان محلُّ العلم منه، وهو قلبُه وسمعُه وبصرُه.