«دعوها، ذميمة».
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
وبالجملة؛ فإخباره - صلى الله عليه وسلم - بالشُّؤم أنه يكونُ في هذه الثلاثة ليس فيه إثباتُ الطِّيَرة التي نفاها، وإنما غايتُه أنَّ الله سبحانه قد يخلقُ منها أعيانًا مشؤومةً على مَنْ قارَبها وسكَنها، وأعيانًا مباركةً لا يلحقُ مَنْ قارَبها منها شؤمٌ ولا شرٌّ.
وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولدًا مباركًا يرَيان الخيرَ على وجهه، ويعطي غيرَهما ولدًا مشؤومًا نذلًا يرَيان الشرَّ على وجهه، وكذلك ما يُعْطَاهُ العبدُ من ولايةٍ أو غيرها، فكذلك الدارُ والمرأةُ والفَرس.
واللهُ سبحانه خالقُ الخير والشرِّ والسُّعود والنُّحوس، فيخلقُ بعضَ هذه الأعيان سُعودًا مباركة، ويقضي بسعادة مَنْ قارَبها (1)، وحصول اليُمْن له والبركة، ويخلقُ بعضَ ذلك نحوسًا ينتحسُ بها مَنْ قارَبها.
وكلُّ ذلك بقضائه وقدره، كما خلقَ سائرَ الأسباب وربَطها بمسبَّباتها المتضادَّة والمختلفة، فكما (2) خلقَ المِسْكَ وغيرَه من حامل الأرواح الطِّيبة (3)، ولذَّذَ بها مَنْ قارَبها من الناس، وخلقَ ضدَّها وجعلها سببًا لألم مَنْ قارَبها من الناس. والفرقُ بين هذين النوعين يُدْرَكُ بالحِسِّ، فكذلك في الدِّيار والنِّساء والخيل، فهذا لونٌ والطِّيَرة الشركيَّةُ لون.
فصل وأمَّا الأثرُ الذي ذكره مالكٌ عن يحيى بن سعيد: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، دارٌ سكنَّاها والعددُ كثيرٌ
والمالُ وافر، فقلَّ العدد، وذهبَ المال، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«دعوها، ذميمة».