[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
الإيجاب الشرعيِّ نوعٌ آخرُ غيرُ العذاب الثَّابت على الإيجاب العقليِّ. وبذلك يجيبون عن النُّصوص النَّافية للعذاب قبل البعثة.
وأمَّا الإيجابُ والتَّحريمُ العقليَّان غائبًا، فهم مصرِّحون بهما، ويفسِّرون ذلك باللُّزوم الذي أوجبَته حكمتُه وحرَّمَته، وأنه يستحيلُ عليه خلافُه، كما يستحيلُ عليه الحاجةُ والنَّومُ والتَّعبُ واللُّغوب.
فهذا معنى الوجوب والامتناع في حقِّ الله عندهم، فهو وجوبٌ اقتضته ذاتُه وحكمتُه وغِناه، وامتناعٌ يستحيلُ عليه الاتصافُ به؛ لمنافاته كمالَه وغِناه.
قالوا: وهذا في الأفعال نظيرُ ما تقولونه (1) في الصِّفات أنه يجبُ له كذا، ويمتنعُ عليه كذا، فقولنا نحنُ في الأفعال نظيرُ قولكم في الصِّفات، ما يجبُ له منها وما يمتنعُ عليه، فكما أنَّ ذلك وجوبٌ وامتناعٌ ذاتيٌّ يستحيلُ عليه خلافُه، فهكذا ما تقتضيه حكمتُه وتأباه وجوبٌ وامتناعٌ يستحيلُ عليه الإخلالُ به، وإن كان مقدورًا له، لكنه لا يُخِلُّ به؛ لكمال حكمته وعلمه وغِناه.
والفرقةُ الثَّانية منَعت ذلك جملةً، وأحَالت القولَ به (2)، وجوَّزت على الرَّبِّ تعالى كلَّ شيءٍ ممكن، ورَدَّت الإحالةَ والامتناعَ في أفعاله إلى غير الممكن من المُحالات؛ كالجمع بين النَّقيضين، وبابِه (3).
فقابلوا المعتزلةَ أشدَّ مقابلة، واقتسما طَرَفي الإفراط والتفريط.