[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
وأيُّ معارضةٍ في العقول للأوصاف المقتضية حُسْنَ الصِّدق والبِرِّ، والإحسان والعدل، والإيثار، وكشف الكُربات وقضاء الحاجات وإغاثة الَّلهَفات، والأخذ على أيدي الظَّالمين، وقَمْع المفسدين، ومنع البُغاة والمعتدين، وحِفظ عقول العالمين وأموالهم ودمائهم وأعراضهم بحسب الإمكان، والأمر بما يُصْلِحُها ويكمِّلها، والنهي عمَّا يُفْسِدُها وينقُصها؟! وهذه حالُ جملة الشَّرائع وجمهورها، إذا تأمَّلها العقلُ جَزَم أنه يستحيلُ على أحكم الحاكمين أن يشرَع خلافَها لعباده.
وأمَّا إن أردتم أنَّ في بعض ما يَدِقُّ منها مسائلَ تتعارض فيها الأوصافُ المستنبَطةُ في العقول، فيتحيَّر العقلُ بين المناسب منها وغير المناسب؛ فهذا وإن كان واقعًا فإنه لا ينفي (1) حُسْنَها الذَّاتيَّ وقُبحَ منهيِّها الذَّاتي، وكونُ الوصف خفيَّ المناسبة والتَّأثير في بعض المواضع مما لا يَدْفَعُه. وهذه حالُ كثيرٍ من الأمور العقليَّة المحضة، بل الحِسِّيَّة.
وهذا الطِّبُّ مع أنه حِسِّيٌّ تجريبيٌّ تُدْرَكُ منافعُ الأغذية والأدوية وقُواها وحرارتُها وبرودتُها ورطوبتُها ويبوستُها فيه بالحِسِّ، ومع هذا فأنتم ترونَ اختلافَ أهله في كثيرٍ من مسائلهم في الشيء الواحد، هل هو نافعٌ كذا، ملائمٌ له أو منافرٌ مؤذٍ (2)؟ وهل هو حارٌّ أو بارد؟ وهل هو رطبٌ أو يابس؟ وهل فيه قوَّةٌ تصلُح لأمرٍ من الأمور أو لا قوَّة فيه؟ ومع هذا فالاختلافُ المذكورُ لا ينفي عند العقلاء ما جُعِلَ في الأغذية والأدوية من القُوى والمنافع والمضارِّ والكيفيَّات؛ لأنَّ سببَ الاختلاف