«يا عبادي، إنكم لن تبلُغوا ضُرِّي فتضرُّوني، ولن تبلُغوا نفعي فتنفعوني» (1)
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
فرجَعَت العبوديَّةُ كلُّها إلى مقتضى الأسماء والصِّفات، وارتبطت بها ارتباط الخلق بها؛ فخلقُه سبحانه وأمرُه هو مُوجَبُ أسمائه وصفاته في العالَم وآثارُها ومقتضاها، لا أنه يتزيَّنُ مِنْ عباده بطاعتهم، ولا تَشِينُه معصيتُهم.
وتأمَّل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصَّحيح الذي يرويه عن ربِّه تبارك وتعالى:
«يا عبادي، إنكم لن تبلُغوا ضُرِّي فتضرُّوني، ولن تبلُغوا نفعي فتنفعوني» (1)
، ذَكَر هذا عقبَ قوله:
«يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذُّنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفِر لكم».
فتضمَّن ذلك أنَّ ما يفعلُه تعالى بهم، مِنْ غفران زلَّاتهم، وإجابة دعَواتهم، وتفريج كُرباتهم؛ ليس لجلْب منفعةٍ منهم، ولا لدفع مضرَّةٍ يتوقَّعها منهم، كما هو عادةُ المخلوق الذي ينفعُ غيرَه ليكافئه بنفعٍ مثله، أو ليدفع عنه ضررًا.
فالرَّبُّ تعالى لم يحسِن إلى عباده ليكافئوه، ولا ليدفعوا عنه ضررًا؛ فقال:
«لن تبلُغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلُغوا ضُرِّي فتضرُّوني»
؛ إني (2) لستُ إذا هديتُ مُسْتَهْدِيكم، وأطعمتُ مُسْتَطْعِمَكم، وكسوتُ مُسْتَكْسِيكم، وأرويتُ مُسْتَسْقِيكم، وكفَيتُ مُسْتَكْفِيكم، وغفرتُ لمستَغْفِركم= بالذي أطلبُ منكم أن تنفعوني، أو تدفعوا عني ضررًا، فإنكم لن تبلُغوا ذلك، وأنا الغنيُّ الحميد.