[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
فإنه إذا أغرَق أعداءه وأهلكهم وانتقم منهم كان هذا غايةَ الحكمة والعدل والمصلحة، وإن أغرَق أولياءه وأهلَ طاعته فهو سببٌ من الأسباب التي نَصَبَها لموتهم وتخليصهم من الدُّنيا والوصول إلى دار كرامته ومحلِّ قُربه، ولا بدَّ من موتٍ على كلِّ حال، فاختار لهم أكمل الموتتَين وأنفعَها لهم في معادهم، ليُوصِلهم بها إلى درجاتٍ عاليةٍ لا تُنالُ إلا بتلك الأسباب التي نَصَبَها الله مُوصِلةً إليها كإيصال سائر الأسباب إلى مسبَّباتها.
ولهذا سلَّط على أنبيائه وأوليائه ما سلَّط عليهم، من القتل وأذى النَّاس وظُلمِهم لهم وعُدوانهم عليهم، وما ذاك لهوانهم عليه ولا لكرامة أعدائهم عليه، بل ذاك عَيْنُ كرامتهم وهوان أعدائهم عليه وسقوطِهم من عَيْنه؛ لينالوا بذلك ما خُلِقُوا له من مساكنهم في دار الهوان، وينال أولياؤه وحِزبُه ما هُيِّاء لهم من الدَّرجات العُلى والنَّعيم المقيم؛ فكان تسليطُ أعدائه وأعدائهم عليهم عَيْنَ كرامتهم وعَيْنَ إهانة أعدائهم.
فهذا مِنْ بعض حِكَمه تعالى في ذلك، ووراء ذلك من الحِكَم ما لا تبلُغه العقولُ والأفهام.
وكان إغراقُه وإهلاكُه وابتلاؤه محضَ الحكمة والعدل في حقِّ أعدائه ومحضَ الإحسان والفضل والرَّحمة في حقِّ أوليائه؛ فلهذا حَسُنَ منه.
ولعلَّ الإغراق وتسليط القتل عليهم أسهلُ الموتتَيْن (1) عليهم، مع ما في
ضِمنه من الثَّواب العظيم، فيكونُ قد بَلَغَ حُسْنُ اختياره لهم إلى أن خفَّف عليهم المَوتة، وأعاضهم (2) عليها أفضلَ الثَّواب؛ فإنه لا يجدُ الشهيدُ من