
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
وإذا كانت هذه حال الكذب والصِّدق، أفليس مِنْ أبطل الباطل دعوى تساويهما، وأنَّ العقلَ إنما يُؤثِرُ الصِّدقَ لتوهُّم اقترانه بالثَّناء، وإنما يتجنَّبُ الكذبَ لتوهُّم اقترانه بالقُبح، كتوهُّم اقتران اللَّسْع في الحبل المرقَّش، وردُّ
استقباح (1) هذه المفاسد والمَقابِح التي لا أقبَح منها إلى مجرَّد وهمٍ باطلٍ يُشْبِه نفرة الطَّبع عن الحبل المرقَّش؟! ونفسُ العلم بهذه المقالة كافٍ في الجزم ببطلانها.
ولو ذهبنا نعدِّدُ قبائحَ الكذب النَّاشئة من ذاته وصفاته لزادت على الألف، وما مِنْ عاقلٍ إلا وعنده العلمُ ببعض ذلك علمًا ضروريًّا مركوزًا في فطرته، فما سوَّى اللهُ بينه وبين الصِّدق أبدًا، ودعوى استوائهما كدعوى استواء النُّور والظُّلمة، والكفر والإيمان، وخَراب العالم وإهلاك الحرث والنَّسل وعمارته، بل كدعوى استواء الجوع والشِّبَع، والرِّيِّ والظَّمأ، والفرح والغمِّ، ولا فرق عند العقل بين علمه بهذا وهذا.
الوجه الحادي والثَّلاثون: قولكم: «الصِّدقُ والكذبُ متنافيان، ومن المحال تساوي المتنافيَين في جميع الصِّفات ... » (2) إلى آخره= إقرارٌ منكم بالحقِّ، ونقضٌ لما أصَّلتموه.
فإنهما إذا كانا متنافيَيْن ذاتًا وصفاتٍ لم يرجع الفرقُ بينهما استحسانًا واستقباحًا إلى مجرَّد العادة والمنشأ والمَرْبى أو مجرَّد التَّديُّن بالشرائع، بل يكون مرجعُ الفرق إلى ذاتيهما، وأنَّ ذاتَ هذا