
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
الوجه الثَّالث: سلَّمنا أنه قد يتوقَّفُ في الحكم بقُبْحِه، ولكن لا يلزمُ من ذلك أن لا يكونَ قبيحًا لذاته، وقُبْحُه معلومٌ للعقل، وتوقُّفُ الذِّهن في الحكم العقليِّ لا يخرجُه عن كونه عقليًّا، ولا يجبُ التَّساوي في العقليَّات؛ إذ بعضها أجلى من بعض.
فإن قلتم: فهذا التَّوقُّفُ ينفي أن يكونَ الحكمُ بقُبْحِه ضروريًّا، وهو يُبْطِلُ قولَكم.
قلنا: هذا إنما لَزِم من التقدير المستحيل في الواقع، والمحالُ قد يَلْزَمه محالٌ آخر.
سلَّمنا أنه ينفي كونَ الحكم بقُبْحِه ضروريًّا ابتداءً، فلِمَ قلتم: إنه لا يكونُ ضروريًّا بعدَ التأمُّل والنَّظر؟ والضروريُّ أعمُّ من كونه ضروريًّا ابتداءً بلا واسطةٍ أو ضروريًّا بواسطة، ونفيُ الأخصِّ لا يستلزمُ نفيَ الأعمِّ، ومن ادَّعى سَلْبَ الوسائط عن الضروريَّات فقد كابَر، أو اصطَلحَ مع نفسه على تسمية الضروريَّات بما لا يتوقَّفُ على واسطة! الوجه الرَّابع: أن تصوُّر ماهيَّة الكذب يقتضي جَزْمَ العقل بقُبْحِه، ونسبةُ الكذب إلى العقل (1) كنسبة المتنافرات الحِسِّيَّة إلى الحِسِّ، فكما أنَّ إدراك الحواسِّ المتنافرات يقتضي نُفْرَتها عنها، فكذلك إدراكُ العقل لحقيقة الكذب، ولا فرق بينهما إلا فرقُ ما بين إدراك الحِسِّ وإدراك العقل، فإن جاز القدحُ في مُدْرَكات العقول وحُكمها فيها بالحُسْن والقُبْح جاز القدحُ في مُدْرَكات الحواسِّ.