
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
وأهلُ السُّنَّة الوسطُ أثبتوا كمالَ الملك والحمد والحكمة؛ فوصفوه بالقدرة التَّامَّة على كلِّ شيءٍ من الأعيان وأفعال العباد وغيرهم، وأثبتوا له الحكمةَ التَّامَّة في جميع خلقه وأمره، وأثبتوا له الحمدَ كلَّه في جميع ما خلقه وأمر به، ونزَّهوه عن دخوله تحت شريعةٍ يضعُها العبادُ بآرائهم، كما نزَّهوه عمَّا نزَّه نفسَه عنه مما لا يليقُ به؛ فاستولوا على محاسن المذاهب، وتجنَّبوا أردأها، ففازوا بالقِدْح المُعَلَّى، وغيرُهم طافَ على أبواب المذاهب ففاز بأخسِّ المطالب، والهدى هدى الله (1) يختصُّ به من يشاء من عباده.
فصل إذا عرفتَ هذه المقدِّمة، فالكلام على كلمات النُّفاة من وجوه: أحدها: قولكم: «لو قدَّر الإنسانُ نفسَه وقد خُلِقَ تامَّ الخِلقة، تامَّ العقل، دفعةً [واحدةً]، مِنْ غير تأدُّبٍ بتأديب الأبوين ولا تعلُّمٍ من معلِّم، ثمَّ عُرِض عليه أمران: أحدهما: أنَّ الواحدَ أكثرُ من الاثنين، والآخر: أنَّ الكذبَ قبيح، لم يتوقَّف في الأوَّل، ويتوقَّفُ في الثَّاني» (2) = تقديرٌ مستحيل (3)، ركَّبتم عليه غيرَ معلوم الصحَّة؛ فإنَّ تقديرَ الإنسان كذلك محال.
الوجه الثَّاني: سلَّمنا إمكانَ التَّقدير، لكن لِمَ قلتم بأنه لا يتوقَّفُ في كون الواحد نصفَ الاثنين، ويتوقَّفُ في كون الكذب قبيحًا بعد تصوُّر حقيقته؟ فلا نسلِّم أنه إذا تصوَّر ماهيَّةَ الكذب توقَّف في الجزم بقُبْحِه، وهل هذا إلا دعوى مجرَّدة؟!