
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]
حققه: محمد أجمل الإصلاحي
خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات :956
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
أقوال الطوائف في هذا الباب، وانتهى إلى نهاية مرامهم ونهاية إقدامهم" (902). هكذا في فصل التوكل ختم بيانه لسرّ الاقتران بين التوكل والهداية والحق في القرآن الكريم بقوله: "فتدبّر هذا السر العظيم في اقتران التوكل والكفاية بالحق والهدى، وارتباط أحدهما بالآخر. ولو لم يكن في هذه الرسالة إلّا هذه الفائدة السَّرِيَّة لكانت حقيقة أن توح في خزانة القلب لشدة الحاجة إليها" (561). والمباحث التي وردت في غضون الكلام استطرادًا، قد نبّه المؤلف رحمه اللَّه على أن أهميتها هي التي اقتضت تناولها، بل كان بعض المباحث المعترضة أهم من المبحث الأصلي. فقال في موضع: "ولولا أن هذه المواضع أهم مما كلامنا بصدده -من ذكر مجرد الطبقات- لم نذكرها، ولكنها من أهم المهم" (811). ولما عاد إلى المقصود بعد بسط الكلام على آيات الإنفاق من سورة البقرة قال: "ولنعد إلى المقصود، فإن هذا من سعي القلم، ولعله أهم مما نحن بصدده" (824). ولقد أحسن المصنف رحمه اللَّه إذ توقف عند هذه المباحث المهمة وتناولها بالبسط، فهذا الاستطراد ينفع القارئ بعض الأحيان نفعًا عظيمًا. فقد حفظ بفضله كلام شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما في كثير من المسائل العظيمة. ومع ذلك لا يظن القارئ أن المؤلف رحمه اللَّه كان زمامه بيد الاستطراد يقوده أنّى شاء. فإذا كانت المسألة تقتضي كلامًا مستفيضًا متشعبًا يكتفي المؤلف بالإشارة إليه ولا يخوض فيه. ومن ذلك أنه لما
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد للَّه الذي نَصَبَ الكائناتِ على ربوبيّته ووحدانيّته حُجَجًا، وحَجَبَ العقولَ والأبصارَ أن تجد إلى تكييفه منهجًا، وأوجب الفوزَ بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادةً لم يبغِ لها عوجًا، وجعل لمن لاذ به واتّقاه مِن كلِّ ضائقةٍ مخرجًا، وأعقبَ مِن ضيقِ الشدائدِ وضَنْكِ الأوابدِ لمن توكَّل عليه فرجًا، وجعل قلوبَ أوليائه متنقلةً في منازل عبوديته من الصبر والتوكّل والإنابة والتفويض والمحبّة والخوف والرَّجا.
فسبحان من أفاض على خلقه النعمة، وكتَب على نفسه الرحمة، وضمّن الكتابَ الذي كَتَبه أنّ رحمتَه تغلِبُ غضبَه. أسبغ على عباده نِعَمه الفُرادى والتُّؤام. وسخر لهم البرّ والبحر، والشمس والقمر، والليل والنهار، والعيون والأنهار، والضياءَ والظلام. وأرسل إِليهم رُسُله، وأنزل عليهم كُتُبه، يدعوهم إلى جواره في دار السلام. {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام/ 125].
فسبحان من أنْزَلَ على عَبْدِه الكتابَ ولَمْ يَجْعَلْ له عِوَجًا (1). ورفع لمن ائتمَّ به، فَأحلَّ حلالَهُ، وحرَّمَ حرامَهُ، وعمل بمحكمه، وآمن بمتشابهه، في مراقي السعادة درجًا. ووضع مَن (2) أعرض عنه، ولم