طريق الهجرتين وباب السعادتين

طريق الهجرتين وباب السعادتين

11915 2

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]

حققه: محمد أجمل الإصلاحي

خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري

راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)

عدد الصفحات :956

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]





مشاركة

فهرس الموضوعات

أهمية الكتاب تكمن أهمية هذا الكتاب بالدرجة الأولى في أمرين معًا، وهما: موضوعه، ومؤلفه. فالموضوع -كما سبق- بيان قواعد السلوك والسير إلى اللَّه على المنهج الذي شرعه اللَّه ورسوله، لأن سعادة العبد في الدارين منوطة بهذا السير المستقيم. ولكن الموضوع متداول مطروق في كتب الصوفية، وكلهم يزعم أن القواعد التي يذكرها مؤسسة على الكتاب والسنة. وهنا يكتسب الكتاب أهميته من الأمر الثاني وهو أنه من تأليف إمام ربّاني يصدر في كل مسألة عن كتاب اللَّه وسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وهو مع تمسكه الشديد بالكتاب والسنة مطلع على كتب القوم، عارف بغوامضها، قادر على الخوض في دقائقها، ذائق لأحوال السالكين، مشرف على مقامات العارفين، ومن الزهد والورع والتعبد والتألّه في مكان مكين. هذا إلى العدل والنصفة في النقد والحكم، وعدم التحيز إلى فرقة أو حزب أو مذهب. فكون هذا الكتاب في بيان قواعد السلوك المحمدي، ومن تأليف الإمام ابن القيم رحمه اللَّه هو الذي أضفى عليه أهمية بالغة. والحقيقة أن كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمهما اللَّه في تزكية النفس وطب القلوب لتؤلف "منظومة" لا نظير لها في المكتبة الإسلامية. أمّا المباحث الجليلة التي اشتمل عليها الكتاب فقد سبقت الإشارة إلى أهمية بعضها في الفقرة السابقة. وقد نبّه المؤلف نفسه رحمه اللَّه -نصحًا لقارئ كتابه وشفقة عليه- على أهمية بعض المباحث، نحو قوله خلال الكلام على طبقات المكلفين في الدار الآخرة: "ولا يدري قدر الكلام في هذه الطبقات إلا من عرف ما في كتب الناس، ووقف على

الصفحة

37/ 91

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه الذي نَصَبَ الكائناتِ على ربوبيّته ووحدانيّته حُجَجًا، وحَجَبَ العقولَ والأبصارَ أن تجد إلى تكييفه منهجًا، وأوجب الفوزَ بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادةً لم يبغِ لها عوجًا، وجعل لمن لاذ به واتّقاه مِن كلِّ ضائقةٍ مخرجًا، وأعقبَ مِن ضيقِ الشدائدِ وضَنْكِ الأوابدِ لمن توكَّل عليه فرجًا، وجعل قلوبَ أوليائه متنقلةً في منازل عبوديته من الصبر والتوكّل والإنابة والتفويض والمحبّة والخوف والرَّجا.

فسبحان من أفاض على خلقه النعمة، وكتَب على نفسه الرحمة، وضمّن الكتابَ الذي كَتَبه أنّ رحمتَه تغلِبُ غضبَه. أسبغ على عباده نِعَمه الفُرادى والتُّؤام. وسخر لهم البرّ والبحر، والشمس والقمر، والليل والنهار، والعيون والأنهار، والضياءَ والظلام. وأرسل إِليهم رُسُله، وأنزل عليهم كُتُبه، يدعوهم إلى جواره في دار السلام. {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام/ 125].

فسبحان من أنْزَلَ على عَبْدِه الكتابَ ولَمْ يَجْعَلْ له عِوَجًا (1). ورفع لمن ائتمَّ به، فَأحلَّ حلالَهُ، وحرَّمَ حرامَهُ، وعمل بمحكمه، وآمن بمتشابهه، في مراقي السعادة درجًا. ووضع مَن (2) أعرض عنه، ولم

الصفحة

5/ 956

مرحباً بك !
مرحبا بك !