طريق الهجرتين وباب السعادتين

طريق الهجرتين وباب السعادتين

12043 2

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]

حققه: محمد أجمل الإصلاحي

خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري

راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)

عدد الصفحات :956

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]





مشاركة

فهرس الموضوعات

وبلاؤه منه. ثم قال (137): "فإن أصررت على اتهام القدر وقلت: فالسبب الذي أُصبتُ به وأُتِيتُ منه ودُهيت منه قد سبق به القدر والحكم، وكان في الكتاب مسطورًا، فلا بدّ منه على الرغم منّي. . . ". وهكذا فتح المؤلف لنفسه بابًا واسعًا للكلام على القدر. فأورد على لسان هذا المحتج بالقدر ما جاء في إثبات القدر من الآيات والأحاديث والآثار. ولما اختلفت الروايات في وقت كتابة المقدور للجنين عقد فصلًا في الجمع بينها، ثم عاد إلى سرد الأحاديث الأخرى في إثبات القدر. وبعدما فرغ من ذلك شرع في الردّ على الذي احتج بالقدر فقال (178): "فالجواب أن ههنا مقامين: مقام إيمان وهدى ونجاة، ومقام ضلال وردى وهلاك. زلّت فيه أقدام فهوت بأصحابها إلى دار الشقاء. . . ". فهذا الجواب في ص (178) عن قوله: "فإن أصررت على اتهام القدر. . . " الذي سبق في ص (137). وقد ذكر في مقام الضلال حكايات وأقوالًا للمحتجين بالقدر من خصماء اللَّه، ثم نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن القدرية المذمومين في السنة وعلى لسان السلف ثلاث فرق: القدرية النفاة، والقدرية الإبليسية، والقدرية المشركية. وذكر أن أربعة مواضع في القرآن بين سبحانه فيها أن الاحتجاج بالقدر من فعل المشركين، وأن الناس تفرقوا في الكلام على هذه الآيات أربع فرق، وبيّن مذاهبها. ثم ذكر مراتب القضاء والقدر عند أهل السنة والجماعة، وأوضح صلة القدر بالقدرة والعلم والحكمة وقال (199): "فكما لا يخرج مقدور عن علمه وقدرته ومشيئته، فهكذا لا يخرج عن حكمته وحمده، وهو محمود على جميع ما في الكون من خير وشر حمدًا استحقه لذاته، وصدر عنه خلقه وأمره، فمصدر ذلك كله عن الحكمة".

الصفحة

28/ 91

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه الذي نَصَبَ الكائناتِ على ربوبيّته ووحدانيّته حُجَجًا، وحَجَبَ العقولَ والأبصارَ أن تجد إلى تكييفه منهجًا، وأوجب الفوزَ بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادةً لم يبغِ لها عوجًا، وجعل لمن لاذ به واتّقاه مِن كلِّ ضائقةٍ مخرجًا، وأعقبَ مِن ضيقِ الشدائدِ وضَنْكِ الأوابدِ لمن توكَّل عليه فرجًا، وجعل قلوبَ أوليائه متنقلةً في منازل عبوديته من الصبر والتوكّل والإنابة والتفويض والمحبّة والخوف والرَّجا.

فسبحان من أفاض على خلقه النعمة، وكتَب على نفسه الرحمة، وضمّن الكتابَ الذي كَتَبه أنّ رحمتَه تغلِبُ غضبَه. أسبغ على عباده نِعَمه الفُرادى والتُّؤام. وسخر لهم البرّ والبحر، والشمس والقمر، والليل والنهار، والعيون والأنهار، والضياءَ والظلام. وأرسل إِليهم رُسُله، وأنزل عليهم كُتُبه، يدعوهم إلى جواره في دار السلام. {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام/ 125].

فسبحان من أنْزَلَ على عَبْدِه الكتابَ ولَمْ يَجْعَلْ له عِوَجًا (1). ورفع لمن ائتمَّ به، فَأحلَّ حلالَهُ، وحرَّمَ حرامَهُ، وعمل بمحكمه، وآمن بمتشابهه، في مراقي السعادة درجًا. ووضع مَن (2) أعرض عنه، ولم

الصفحة

5/ 956

مرحباً بك !
مرحبا بك !