طريق الهجرتين وباب السعادتين

طريق الهجرتين وباب السعادتين

12019 2

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]

حققه: محمد أجمل الإصلاحي

خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري

راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)

عدد الصفحات :956

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]





مشاركة

فهرس الموضوعات

رأسه الرماد، وليراجع الإيمان من أصله، فيرجع وراء، ليقتبس نورًا قبل أن يحال بينه وبينه، ويقال له ذلك على الصراط من وراء السور، واللَّه المستعان". وقد عقد فصلًا كاملًا في قصيدته النونية (870) بعنوان "فصل في تعيّن الهجرة من الآراء والبدع إلى سنّته، كما كانت فرضًا من الأمصار إلى بلدته -صلى اللَّه عليه وسلم-" يشتمل على 57 بيتًا، افتتحه بقوله: يا قوم فرضُ الهجرتين بحاله ... واللَّهِ لم يُنسخ إلى ذا الآنِ فالهجرة الأولى إلى الرحمن بالـ ... إخلاص في سرّ وفي إعلان إلى أن قال: والهجرة الأخرى إلى المبعوث بالـ ... إسلام والإيمان والإحسان وفي رسالته التي بعث بها من تبوك إلى أصحابه بالشام، أفاض القول في بيان أهمية الهجرتين بأسلوب أدبي بليغ، وذكر أن الهجرة إلى اللَّه ورسوله فرض عين على كل أحد في كل وقت، وهي مطلوب اللَّه ومراده من العباد. وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعة لها. وبعد ما فسّر الهجرة إلى اللَّه قال: "والذي يُقضى منه العجب أنّ المرء يوسّع الكلام، ويفرّع المسائل في الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وفي الهجرة التي انقطعت بالفتح، وهذه هجرة عارضة ربما لا تتعلق به في العمر أصلًا. وأما هذه الهجرة التي هي واجبة على مدى الأنفاس [فإنه] لا يحصل [فيها] علمًا ولا إرادة. وما ذاك إلا للإعراض عما خلق له والاشتغال عما لا ينجيه غيره" (20 - 21). وأما الهجرة إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلام المؤلف عليها في الرسالة

الصفحة

22/ 91

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه الذي نَصَبَ الكائناتِ على ربوبيّته ووحدانيّته حُجَجًا، وحَجَبَ العقولَ والأبصارَ أن تجد إلى تكييفه منهجًا، وأوجب الفوزَ بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادةً لم يبغِ لها عوجًا، وجعل لمن لاذ به واتّقاه مِن كلِّ ضائقةٍ مخرجًا، وأعقبَ مِن ضيقِ الشدائدِ وضَنْكِ الأوابدِ لمن توكَّل عليه فرجًا، وجعل قلوبَ أوليائه متنقلةً في منازل عبوديته من الصبر والتوكّل والإنابة والتفويض والمحبّة والخوف والرَّجا.

فسبحان من أفاض على خلقه النعمة، وكتَب على نفسه الرحمة، وضمّن الكتابَ الذي كَتَبه أنّ رحمتَه تغلِبُ غضبَه. أسبغ على عباده نِعَمه الفُرادى والتُّؤام. وسخر لهم البرّ والبحر، والشمس والقمر، والليل والنهار، والعيون والأنهار، والضياءَ والظلام. وأرسل إِليهم رُسُله، وأنزل عليهم كُتُبه، يدعوهم إلى جواره في دار السلام. {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام/ 125].

فسبحان من أنْزَلَ على عَبْدِه الكتابَ ولَمْ يَجْعَلْ له عِوَجًا (1). ورفع لمن ائتمَّ به، فَأحلَّ حلالَهُ، وحرَّمَ حرامَهُ، وعمل بمحكمه، وآمن بمتشابهه، في مراقي السعادة درجًا. ووضع مَن (2) أعرض عنه، ولم

الصفحة

5/ 956

مرحباً بك !
مرحبا بك !