
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]
حققه: محمد أجمل الإصلاحي
خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات :956
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13) طريق الهجرتين وباب السعادتين تأليف الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751) حققه: محمد أجمل الإصلاحي خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري إشراف بكر بن عبد اللَّه أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
مقامه في الأرض لمَّا تجلَّى ربُّه للجبل، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قطع تلك المسافات، وخرق تلك الحجب، ورأى ما رأى، وما زاغ بصره ولا طغى (1)، ولا اضطرب فؤاده ولا صعق، فصلوات اللَّه وسلامه عليه. ولا ريب أنَّ الوراثة المحمّدية أكمل من الوراثة الموسويّة.
وتأمَّل شأن النسوة اللاتي رأين يوسف، كيف أدهشهنَّ حسنُه وتعلّق (2) قلوبهنَّ به، وأفناهنَّ عن أنفسهنَّ حتَّى قطَّعن أيديهنَّ. وامرأةُ العزيز أكملُ حبًّا منهنَّ له وأشدّ، ولم يعرض لها ذلك، مع أنَّ حبها أقوى وأتمّ؛ لأنَّ حبّها كان مع البقاءِ، وحبّهن كان مع الفناءِ. فالنسوة غيَّبهنّ حسنُه وحبُّه (3) عن أنفسهنَّ، فبلغن من تقطيع أيديهنَّ ما بلغن؛ وامرأة العزيز لم يغيّبها حبُّها له (4) عن نفسها، بل كانت حاضرةَ القلب متمكّنةً في حبّها، فحالها حال الأقوياء من المحبين، وحال النسوة حال أصحاب الفناءِ.
ومما يدلّ على أنَّ حال البقاءِ في الحبّ أكمل من حال الفناء أنَّ الفناءَ إنَّما يعرض لضعف النفس عن حمل (5) وارد المحبة، فتمتلئ به، وتضعف عن حمله، فيفنيها ويغيّبها عن تمييزها وشهودها، فيورثها الحيرة والسكوت. وأمَّا حال البقاء فيدلّ على ثبات النفس وتمكّنها، وأنَّها حملت من الحبّ ما لم يطلق حملَه صاحبُ الفناءِ، فتصرَّفتْ في