
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]
حققه: محمد أجمل الإصلاحي
خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات :956
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13) طريق الهجرتين وباب السعادتين تأليف الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751) حققه: محمد أجمل الإصلاحي خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري إشراف بكر بن عبد اللَّه أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
والجوارحَ بالأعمال، وأنَّها مدبَّرةٌ تحت تسخيره مذلّلةٌ تحت قهره، وأنَّها أعجز وأضعفُ (1) أن تتحرك بدون مشيئته، وأنَّ مشيئتَه نافذةٌ فيها كما هي نافذة في حركات الأفلاك والمياه والأشجار، وأنَّه حرَّك كلًّا منها بسبب اقتضى تحريكه، وهو خالق السبب المقتضي، وخالقُ السبب خالقٌ للمسبَّب، فخالقُ الإرادة الحادثةِ (2) التي هي سببُ الحركة والفعل الاختياري خالقٌ لهما، وحدوثُ الإرادة بلا خالقٍ مُحدِثِ محالٌ، وحدوثُها بالعبد بلا إرادة منه مُحالٌ، وإنْ كان بإرادة فإرادتُه للإرادة كذلك، ويستحيل هنا (3) التسلسل، فلا بُدَّ من فاعلٍ أوجدَ تلك الإرادة التي هي سبب الفعل. وهنا (4) يتحفق الفقرُ والفاقةُ والضرورةُ التامة إلى مالك الإرادات وربِّ القلوب ومصرِّفها كيف شاء، فما شاء أن يزيغه منها أزاغه، وما شاء أن يقيمه منها أقامه {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} [آل عمران/ 8].
فهذا هو الفقرُ الصحيح المطابق للعقلِ والفطرة والشرع، ومن خرج عنه وانحرف إلى أحد الطرفين زاغ قلبه عن الهدى، وعطَّل مُلْكَ الملِك الحقِّ وانفراده بالتصرف والربوبية عن أوامره وشرعه وثوابه وعقابه.
وحُكْمُ هذا الفقيرِ المضطرِّ إلى خالقه في كلِّ طرفة عين وكلِّ نفس أنّه إن حُرِّك بطاعةٍ أو نعمةٍ شكرها وقال: هذا من فضل اللَّه ومنِّه وجوده، فله