
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13)]
حققه: محمد أجمل الإصلاحي
خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: سعود بن عبد العزيز العريفي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات :956
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (13) طريق الهجرتين وباب السعادتين تأليف الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751) حققه: محمد أجمل الإصلاحي خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري إشراف بكر بن عبد اللَّه أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
نفس الحظّ، والهروب عن حقّ المحبوب ومراده.
وهل مثل هذا إلا كمثل رجلين ادَّعيا محبةَ ملِك، فحضرا بين يديه، فقال: ما تريدان؟ فقال أحدهما: أُريدُ أن لا أريد شيئًا، بل أفنى عن إرادتي، وأكون أنا المراد، وأنت تريد بي ما تشاء. وقال الآخر: بل (1) أريد أن أنفق أنفاسي وذرّاتي (2) في محابّك ومرضاتك منفِّذًا لأوامرك مشمِّرًا في طاعتك، أتوجّه حيث توجهني وأفعل ما تأمرني، هذا الذي أريده (3). فقال (4) للآخر: وأنا أريد منك أن تفعل مثل هذا، فإنِّي سأبعثكما في أشغالي ومهماتي. فأمَّا أحدهما فقال: لاحظ لي سوى اتباع مرضاتك والقيام بحقوقك. وقال الآخر: لا أُريد إلا مشاهدتَك، والنظر إليك، والفناءَ فيك. فهل يكونان في نظره سواءً؟ وهل تستوي منزلتهما عنده؟
ولو أنعموا النظر لعلموا أنَّ صاحبَ الفناء هو طالبُ الحظِّ الواقفُ معه، وأنّ الآخرَ وإن لم ينسلخ من الحظّ، ولكنّ حظَّه مرادُ المحبوب منه، لا مرادُه هو من المحبوب؛ وبين الأمرين من الفرق كما بين الأرض والسماءِ (5). فالعجب ممن يفضّل صاحبَ الحظّ الذي يريده من محبوبه على من صارَ حظّه مراد محبوبه منه! بل الفناء الكامل أن يفنى بإرادته عن إرادة ما سواه (6)، وبحبّه عن حبّ ما سواه، وبرجائه عن رجاءِ ما سواه،