
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (٣٢)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، ١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
موارد الكتاب من العسير في كتاب لمصنف في القرن الثامن تعيين جميع موارده، وما سيُذكر هاهنا لا يمثل جميع موارد المؤلف في كتابه. والسمة الظاهرة في سائر مصنفات ابن قيم الجوزية وفي كتابنا هي كثرة الموارد وتنوعها في أصناف العلوم، وعلوّها وأصالتها في أبوابها. ثم إنه رحمة الله عليه تارة ينقل مباشرة من المصدر، وأخرى ينقل بواسطة، يظهر هذا عند مقارنة الاقتباسات بمصادرها الأصيلة والوسيطة. وربما يسمّي الكتاب عند النقل، أو يكتفي باسم مؤلفه، أو يقتبس دون عزو، وقد يكتفي حينًا بالعزو في موضع واحد عند تعدده. وفيما يأتي عرض مجمل لأبرز تلك الموارد بحسب مجيئها في كل فن، وتمامه في فهرست المصنفات والأعلام بملاحق الكتاب: تقدمت الإشارة إلى اهتمام المؤلف بحشد الآيات القرآنية في مواطن الاستدلال وتأصيل القواعد، وكثيرًا ما يتبع تلك الآيات باقتباسات من تفسير الصحابة فمن بعدهم ومن بيان أهل اللسان؛ تعضيدًا لاستدلاله، ومورده الرئيس في علم التفسير هو كتاب "التفسير البسيط" لأبي الحسن الواحدي، ومع أن المصنف لم يصرّح باسم مؤلفه إلا مرتين فقط إلا أن مقابلة النقول المقتبسة وحكاية الأقوال، بل ومتابعته للواحدي في سياق الشواهد بحروفها تؤكد الأمر دون شك. ولعل النقل من تفاسير مقاتل ومجاهد و "معاني القرآن" للفراء وابن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
الحمد لله ذي الإفضال والإنعام، والمِنن الجِسَام، والأيادي العِظَام، ذي الجلال والإكرام، الملك القدّوس السلام، الذي قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام.
فقدَّر أرزاقهم وآجالهم، وكتب آثارهم وأعمالهم، وقسم بينهم معايشهم وأموالهم ــ وعرشه على الماء ــ قبل خلق الليالي والأيام.
فأبرم القضيَّة، وقدَّر البريَّة، وقال للقلم: اكتب، فجرى بما هو كائن في هذا العالم على تعاقب السِّنين والأعوام.
ثم خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على عرشه المجيد بذاته، منفردًا بتدبير خلقه بالسَّعادة والشقاوة، والعطاء والمنع، والإحياء والإماتة، والخَفض والرَّفع، والإيجاد والإفناء، والنقضِ والإبرام.
{(28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي} [الرحمن:29]، فلا يشغله سَمْعٌ عن سَمْع، ولا تُغَلِّطُه المسائل، ولا يتبَرَّم بإلحاح الملحِّين على (1) الدوام. يسمع ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات، على تَفنُّنِ الحاجات (2)، ويرى دبيبَ النملة السوداء، تحت الصَّخرة الصماء، في