
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (٣٢)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، ١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق زاهر بن سالم بَلفقيه وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فاتفقت هذه الأحاديث ونظائرها على أن القدر السابق لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد.
ولهذا لمّا سمع بعض الصحابة ذلك قال: "ما كنت أشدّ اجتهادًا مني الآن" (1)، وهذا مما يدل على جلالة فقه الصحابة، ودقة أفهامهم، وصحة علومهم؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرهم بالقدر السابق وجريانه على الخليقة بالأسباب، وأن العبد ينال ما قُدِّر له بالسبب الذي أُقْدِر عليه، ومُكِّن منه، وهُيِّئ له، فإذا أتى بالسبب أوصله إلى القدر الذي سبق له في أم الكتاب، وكلما ازداد اجتهادًا في تحصيل السبب كان حصول المُقَدَّر له أدنى إليه.
وهذا كما إذا قُدِّر له أن يكون من أعلم أهل زمانه، فإنه لا ينال ذلك إلا بالاجتهاد والحرص على التعلم وأسبابه، وإذا قُدِّر له أن يُرزق الولد لم ينل ذلك إلا بالنكاح أو التسرّي والوطء، وإذا قُدِّر له أن يستغل من أرضه من المغلِّ كذا وكذا لم ينله إلا بالبذر وفعل أسباب الزرع، وإذا قُدِّر له الشبع والري والدفء فذلك موقوف على الأسباب المحصلة لذلك من الأكل والشرب واللبس، وهذا شأن أمور المعاش والمعاد، فمن عطّل العمل اتكالًا على القدر السابق، فهو بمنزلة من عطّل الأكل والشرب والحركة في المعاش وسائر أسبابه اتكالًا على ما قُدِّر له.