[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (٣٢)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، ١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق زاهر بن سالم بَلفقيه وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
{رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39]. فإن قيل: قد عُلِم بالنصوص والمعقول صحة قولهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا}، و {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا}، و {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}، فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وقد قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112]، وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13]، فكيف أكذبهم ونفى عنهم العلم، وأثبت لهم الخَرْص فيما هم فيه صادقون؟ وأهل السنة جميعًا يقولون: لو شاء الله ما أشرك به مشرك، ولا كفر به كافر، ولا عصاه أحدٌ من خلقه، فكيف يُنْكِر عليهم ما هم فيه صادقون؟ قيل: بل أنكر سبحانه عليهم ما هم فيه أكذب الكاذبين، وأفجر الفاجرين، ولم ينكر عليهم صدقًا ولا حقًّا، بل أنكر عليهم أبطل الباطل؛ فإنهم لم يذكروا ما ذكروه إثباتًا لقدره وربوبيته ووحدانيته، وافتقارًا إليه، وتوكلًا عليه، واستعانة به، ولو قالوه كذلك لكانوا مصيبين، وإنما قالوه معارضين به لشرعه، ودافعين به لأمره، فعارضوا شرعه وأمره، ودفعوه بقضائه وقدره، ووافقهم على ذلك كل من عارض الأمر ودفعه بالقدر. وأيضًا فإنهم احتجوا بمشيئته العامة وقدره على محبته لما شاءه، ورضاه به، وإذنه فيه، فجمعوا بين أنواع من الضلال: معارضة الأمر بالقدر، ودفعه به، والإخبار عن الله أنه يحب ذلك منهم ويرضاه حيث شاءه وقضاه، وأن لهم الحجة على الرسل بالقضاء والقدر. وقد ورثهم في هذا الضلال وتبعهم عليه طوائف من الناس ممن يدّعي