
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (٣٢)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، ١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق زاهر بن سالم بَلفقيه وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
قصاصًا إذا قَتَل عند الجمهور، والمُلجَأ لا يُقتَل باتفاق الناس. ومما يوضح هذا أن المُكرَه على التكلم لا يتأتّى منه التكلم إلا باختياره وإرادته، ولهذا أوقع طلاقه وعتاقه بعض العلماء، والجمهور قالوا: لا يقع؛ لأن الله سبحانه جعل كلام المُكرَه على كلمة الكفر لغوًا لا يترتب عليه أثره؛ لأنه وإن قصد التكلم باللفظ دفعًا عن نفسه فلم يقصد معناه وموجَبه، حتى قال بعض الفقهاء لو قصد الطلاق بقلبه مع الإكراه لم يقع طلاقه؛ لأن قوله هدر ولغو عند الشارع، فوجوده كعدمه في حكمه، فبقي مجرد القصد، وهو غير موجِب للطلاق، وهذا ضعيف؛ فإن الشارع إنما ألغى قول المُكرَه إذا تجرّد عن القصد، وكان قلبه مطمئنًّا بضده، فأما إذا قارن اللفظَ القصدُ، واطمأنّ القلبُ بموجَبه؛ فإنه لا يُعذَر. فإن قيل: فما تقولون فيمن ظن أن الإكراه لا يمنع وقوع الطلاق، فقَصَده جاهلًا بأن الإكراه مانع من وقوعه؟ قيل: هذا لا يقع طلاقه؛ لأن اللفظ موجِب لوقوعه؛ لأنه لما ظن أن الإكراه على الطلاق يوجب وقوعه إذا تكلم به؛ كان حكمُ قَصْده حكمَ لفظه، فإنه إنما قصده دفعًا عن نفسه لمّا علم أنه لا يتخلّص إلا به، ولم يظن أن الكلمة بدون القصد لغو، أو دهش عن ذلك، ولا وَطَر له في الطلاق، فهذا لا يقع، بخلاف الأول؛ فإنه لمّا أُكرِه على الطلاق نشأ له قَصْد طلاقها؛ إذ لا غرض له أن يقيم مع امرأة أُكرِه على طلاقها، وإن كان لو لم يُكرَه لم يبتدئ طلاقها. والمقصود أن المُكرَه مريد لفعله غير مُلجَأ إليه.