[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (٣٢)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، ١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق زاهر بن سالم بَلفقيه وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فأخذها على أثره.
وهذه عادته مع عباده عمومًا وخصوصًا، فيعصيه العبد وهو يحلم عنه ولا يعاجله، حتى إذا أراد أخذه قَيَّضَ له عملًا يأخذه به مضافًا إلى أعماله الأُوَل، فيظن الظان أنه أخذه بذلك العمل وحده، وليس كذلك، بل حق عليه القول بذلك العمل، وكان قبل ذلك لم يحق عليه القول، فأعماله الأُوَل تقتضي ثبوت الحق عليه، ولكن لم يحكم به أحكم الحاكمين، ولم يُمضِ الحكم، فإذا عمل بعد ذلك ما يقرر غضب الربّ عليه أمضى حكمه عليه وأنفذه.
قال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55]، وقد كانوا قبل ذلك أغضبوه بمعصية رسوله، ولكن لم يكن غضبه سبحانه قد استقرَّ واستحكم عليهم؛ إذ كان بصدد أن يزول بإيمانهم، فلما أيس من إيمانهم تقرر الغضبُ واستحكم، فحلت العقوبة.
وهذا الموضع من أسرار القرآن، وأسرار التقدير الإلهي، وفِكْر العبد فيه من أنفع الأمور له؛ فإنه لا يدري أي المعاصي هي الموجبة التي يتحتم عندها عقوبته فلا يُقال بعدها، والله المستعان.
وسنعقد لهذا الفصل بابًا في الفرق بين القضاء الكوني والديني، نشبع الكلام فيه ـ إن شاء الله ـ لشدة الحاجة إليه (1)؛ إذ المقصود في هذا الباب ذِكْرُ مشيئة الربّ تعالى، وأنها الموجبة لكل موجود، كما أن عدم مشيئته موجب