
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 683
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30) زاد المعاد في هدي خير العباد تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فصل ومن هاهنا يُعلم اضطرارُ العباد فوق كلِّ ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر؛ فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على يدَي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم. فالطيِّب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاؤوا به. فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميَّز أهل الهدى من أهل الضلال. فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها. فأيُّ ضرورة وحاجة فُرِضت، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير. وما ظنُّك بمن إذا غاب عنك هديُه وما جاء به طرفةَ عين فسد قلبك، وصار كالحوت إذا فارق الماء ووُضِع في المِقْلى. فحالُ العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسول كهذه الحال بل أعظم، ولكن لا يُحِسُّ بهذا إلا قلب حيّ، و «ما لجُرْحٍ بميِّتٍ إيلامُ» (1).
وإذا كانت سعادة الدارين معلّقةً بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجب على كلِّ من نصح نفسه وأحبَّ نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به، ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه. والناس في هذا بين مستقلٍّ ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله، يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.