{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} [ق: 37]

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (18)]
المحقق: محمد عزير شمس
راجعه: جديع بن محمد الجديع - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 300
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وأخيرًا فإن أسلوب الكتاب هو أسلوب ابن القيم في سائر كتبه، ولا يخفى ذلك على مَن قرأ مؤلفاته باهتمام، وخاصةً تلك المؤلفات التي تتعلق بالسلوك والزهد والتربية. وكثير من الموضوعات التي أوجزها هنا فصَّلها في كتبه الأخرى، وكأن ما في الكتاب خلاصة هذا النوع من مؤلفاته، اقتصر فيه على النكت المستحسنة والفوائد الغالية، وزاد عليها لطائف ودقائق وعبرًا ومواعظ لا توجد في غيره.
• موارده:
ذكرنا فيما سبق أن أغلب ما في الكتاب تأملات وخواطر وفوائد اهتدى إليها المؤلف بفكره وتأمله، ولم ينقل إلا القليل من مصادر أخرى، وقد صرَّح أحيانًا باسم المؤلف أو المصدر الذي ينقل عنه، وأغفل أحيانًا أخرى ذكره. ومن المصادر التي نقل عنها:
- ابن قتيبة: ص 3، 116 من "تفسير غريب القرآن"، وص 14، 16، 129، 149 من "تأويل مشكل القرآن".
- الزجاج: ص 19، 116 من "معاني القرآن وإعرابه".
- الواحدي: ص 128، 131 من "الوسيط".
- ابن الجوزي: ص 21 "كشف مشكل الصحيحين". ونقل من كتابه "المدهش" كثيرًا بلا نسبة، فأغلب النصوص في الصفحات 52 - 69 مأخوذة منه، وكذا في مواضع أخرى.
- ابن تيمية: ص 12، 136، 153.
- وعزا بعض النصوص إلى "كتاب الزهد" للإمام أحمد (ص 75) وإلى
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]
قاعدة جليلة
إذا أردتَ الانتفاعَ بالقرآن فاجمعْ قلبك عند تلاوته وسماعه، وألْقِ سمعَك، واحضُرْ حُضورَ من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه؛ فإنه خطابٌ منه لك على لسان رسوله:
قال تعالى:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} [ق: 37]
وذلك أنَّ تمام التأثير لمَّا كان موقوفًا على مُؤثِّرٍ مُقْتَضٍ، ومحلٍّ قابل، وشرطٍ لحصول الأثرِ، وانتفاء المانع الذي يمنعُ منه، تضمَّنَتِ الآيةُ بيانَ ذلك كلِّه بأوجز لفظٍ وأبينِهِ وأدلِّه على المُراد.
فقولُه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى}: إشارةٌ إلى ما تقدَّمَ من أول السورةِ إلى ها هنا، وهذا هو المؤثِّرُ.
وقولُه: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}: فهذا هو المحلُّ القابلُ، والمرادُ به القلبُ الحيُّ الذي يَعْقِلُ عن الله؛ كما قال تعالى:
{إِنْ هُوَ إلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس: 69 - 70]؛ أي: حيَّ القلبِ.
وقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}، أي: وجَّه سمعَه وأصغَى حاسَّةَ سمعِهِ إلى ما يُقال له، وهذا شرطُ التأثُّر بالكلام.
وقوله: {وَهُوَ شَهِيدٌ (37)}، أي: شاهدُ القلبِ حاضرٌ غيرُ غائبٍ. قال ابن قتيبة (1): استمعَ كتاب الله، وهو شاهدُ القلب والفهم، ليس