{وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194]؛
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (18)]
المحقق: محمد عزير شمس
راجعه: جديع بن محمد الجديع - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 300
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الكتاب: الفوائد [آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (18)] المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751) المحقق: محمد عزير شمس راجعه: جديع بن محمد الجديع - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت) الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم) عدد الصفحات: 300 قدمه للشاملة: مؤسسة «عطاءات العلم»، جزاهم الله خيرا [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] |
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (18) الفوائد تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق محمد عزير شمس إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
[الأحقاف: 35]؛ فإذا أغصانُ النباتِ تَهْتَزُّ بخُزامىَ
{وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194]؛
فدخل مكة دُخولًا ما دَخَلَهُ أحدٌ قبلَه ولا بعدَه؛ حولَه المهاجرونَ والأنصارُ، لا يَبينُ منهم إلا الحَدَقُ، والصحابةُ على مراتبِهَم، والملائكةُ فوق رؤوسِهم، وجبريلُ يتردَّدُ بينَه وبين ربِّهِ، وقد أباحَ له حَرَمَهُ الذي لم يُحِلَّهُ لأحدٍ سواه (1) .
فلمَّا قايَسَ بين هذا اليوم وبين يوم
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: 30]
, فأخْرَجوه ثانيَ اثنين؛ دخلَ وذَقَنُه يَمَسُّ قرَبوسَ سرجِهِ، خضوعًا وذُلًّا لمن ألبسَهُ ثوبَ هذا العزِّ الذي رَفعَتْ إليه فيه الخليقةُ رؤوسَها، ومَدَّتْ إليه الملوكُ أعناقها.
فدخَلَ مكَّةَ مالكًا مؤيَّدًا منصورًا، وعلا كَعْبُ بلالٍ فوقَ الكعبةِ بعد أن كان يُجَرُّ في الرَّمضاءِ على جَمْرِ الفتنة، فنَشَرَ بَزًّا طُوي عن القوم من يوم قولِهِ: أحدٌ أحدٌ، ورَفعَ صوتَه بالأذانِ، فأجابتهُ القبائلُ من كلِّ ناحيةٍ، فأقبلوا يؤمُّونَ الصوتَ، فدخلوا في دين الله أفواجًا، وكانوا قبل ذلك يأتونَ آحادًا.
فلمَّا جَلَسَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- على منبر العزِّ -وما نَزلَ عنه قطُّ- مَدَّتِ الملوكُ أعناقها بالخُضوع إليه؛ فمنهم من سلَّمَ إليه مفاتيحَ البلادِ، ومنهم من سألَهُ الموادعةَ والصُّلْح، ومنهم من أقرَّ بالجزيةِ والصَّغارِ، ومنهم من أخذ في الجمع والتأهُّب للحرب ولم يَدْرِ [أنَّه] لم يزِد على جمع الغنائم وسَوْقِ الأسارى إليه.