{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)} [هود: 9 - 10]؛
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (18)]
المحقق: محمد عزير شمس
راجعه: جديع بن محمد الجديع - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 300
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الكتاب: الفوائد [آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (18)] المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751) المحقق: محمد عزير شمس راجعه: جديع بن محمد الجديع - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت) الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم) عدد الصفحات: 300 قدمه للشاملة: مؤسسة «عطاءات العلم»، جزاهم الله خيرا [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] |
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (18) الفوائد تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق محمد عزير شمس إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فإذا لم يشهد ذلك رأى فيه أهلًا ومستحقًّا، فأعجبتْه نفسه، وطغَتْ بالنعمة، وعلَتْ بها، واستطالتْ على غيرها، فكان حظها منها الفرح والفخر؛ كما قال تعالى:
{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)} [هود: 9 - 10]؛
فذمه باليأس والكفر عند الامتحان بالبلاء، وبالفرح والفخر عند الابتلاء بالنعماء، واستبدل بحمد الله وشكره والثناء عليه إذ كشفَ عنه البلاءَ قوله: {ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي}، ولو أنه قال: أذهبَ الله السيئاتِ عني برحمته ومنِّه لما ذُمَّ على ذلك، بل كان محمودًا عليه، ولكنه غَفلَ عن المُنعِم بكشفِها ونسبَ الذهابَ إليها وفرح وافتخر. فإذا علم الله سبحانه هذا من قلب عبدٍ فذلك من أعظم أسباب خذلانه وتخلِّيه عنه؛ فإن محلَّه لا تناسبه النعمة المطلقة التامة؛ كما قال تعالى:
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)} [الأنفال: 22 - 23]،
فأخبر سبحانه أن محلَّهم غير قابل لنعمته، ومع عدم القبول ففيهم مانعٌ آخر يمنع وصولها إليهم، وهو تولِّيهم وإعراضهم إذا عرفوها وتحققوها. ومما ينبغي أن يُعلَم أن أسباب الخذلان من بقاء النفس على ما خُلِقَتْ عليه في الأصل وإهمالها وتخليتها؛ فأسباب الخذلان منها وفيها، وأسباب التوفيق من جَعْلِ الله سبحانه لها قابلةً للنعمة؛ فأسبابُ التوفيق منه ومن فضلِه، وهو الخالق لهذه وهذه؛ كما خلق أجزاءَ الأرض؛ هذه قابلة للنبات وهذه غير قابلة له، وخلق الشجرَ؛ هذه تَقبلُ الثمرة وهذه لا