
[آثارالإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (33)]
تحقيق: حسين بن عكاشة بن رمضان
تخريج: حسين بن حسن باقر - كريم محمد عيد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - سعود بن عبد العزيز العريفي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الأولى (لدار ابن حزم)، 1442 هـ - 2020
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1143
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وأمَّا الطَّاغوت الثَّاني: وهو قولهم: «إن تعارَضَ العقل والنقل وجب تقديم العقل». فقد انتفع في إبطاله بكتاب شيخه ابن تيمية «درء تعارض العقل والنقل» انتفاعًا كبيرًا، ولم يغفل الإشارة إلى ذلك، بل قال: «وقد أشفى شيخ الإسلام في هذا الباب بما لا مَزِيدَ عليه، وبَيَّنَ بطلانَ هذه الشُّبهة وكَسَّرَ هذا الطَّاغوت في كتابه الكبير، ونحن نشير إلى كلماتٍ يسيرةٍ هي قطرة من بحره، تتضمن كسره ودحضه، وذلك يظهر من وجوهٍ». فذكر مائتين واثنين وأربعين وجهًا حسب ما وُجد من الكتاب، واستغرق نحو ثلثي الموجود من الكتاب. وينبغي التفطن لموضعين: الأول: أن في المخطوط (ق 54 ب) انتقل من الوجه السابع والأربعين إلى الوجه الخمسين مباشرة، ولم يذكر الوجهين الثَّامن والأربعين والتَّاسع والأربعين، فإمَّا أن يكون سقط الوجهان الثَّامن والأربعون والتَّاسع والأربعون، أو يكون ترقيم الوجوه خطأً. والثاني: أن في المخطوط (ق 69 ب) انتقل من الوجه الثاني والسبعين إلى الوجه التاسع والسبعين مباشرة، فلم يذكر من الثالث والسبعين إلى الثامن والسبعين. وكتب الناسخ بحاشية «ح»: «هكذا في الأصل». فيكون الموجود من أوجه الرد على هذا الطاغوت مائتين وأربعة وثلاثين وجهًا فقط. فهذا هو القدر الموجود من الكتاب، وبقي ما يتعلق بكسر الطاغوتين الثالث والرابع لم نعثر عليه بعد.
بسم الله الرحمن الرحيم
ربِّ يسِّر بفضلك يا كريم، وصلَّى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم أجمعين (1).
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلَّا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، الموصوف بصفات الجلال، المنعوت بنعوت (2) الكمال، المُنزَّه عمَّا يضاد كماله مِن سلبِ حقائق أسمائه وصفاته، المستلزم لوصفه (3) بالنقائص وشبه (4) المخلوقين، فنفْيُ حقائق أسمائه وصفاته متضمِّنٌ للتعطيل والتشبيه، وإثباتُ حقائقها على وجه الكمال الذي لا يستحقه سواه هو حقيقة التوحيد والتنزيه، فالمُعطِّلُ جاحدٌ لكمال المعبود، والمُمثِّلُ مشبِّهٌ له بالعبيد، والمُوحِّدُ مُثبِتٌ (5) لحقائق أسمائه وكمال أوصافه، وذلك قُطب رَحَى التوحيد، فالمُعطِّل يعبد عدمًا، والمُمثِّل يعبد صنمًا، والمُوحِّد يعبد ربًّا ليس كمثله شيءٌ، له الأسماء الحُسنى والصِّفات العُلى، وسع كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وحُجته على عباده، فهو رحمته المهداة إلى العالمين، ونعمته التي أتمَّها على أتباعه من المؤمنين، أرسله على حين فترةٍ من الرُّسل، ودروسٍ من الكتب،