[آثارالإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (33)]
تحقيق: حسين بن عكاشة بن رمضان
تخريج: حسين بن حسن باقر - كريم محمد عيد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - سعود بن عبد العزيز العريفي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الأولى (لدار ابن حزم)، 1442 هـ - 2020
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1143
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (33) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق حسين بن عكاشة بن رمضان تخريج حسين بن حسن باقر - كريم محمد عيد وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
مَن تأمَّلَ موقع الحِجاج وقطع المجادِل فيما تضمنته هذه الآية وقَفَ على أعظم برهانٍ بأوجز عبارةٍ. فإن إبراهيم لمَّا أجاب المُحاجَّ له في الله بأنه الذي يحيي ويُميت أخَذَ عدوُّ الله في (1) معارضته بضربٍ من المغالطة، وهو أنه يقتل مَن يريد ويستبقي مَن يريد، فقد أحيا هذا وأمات هذا. فألزمه إبراهيم على طرد هذه المعارضة أن يتصرف في حركة الشمس من غير الجهة التي يأتي الله بها منها، إذا كان (2) بزعمه قد ساوى (3) الله في الإحياء والإماتة، فإن كان صادقًا فليتصرف في الشمس تصرفًا تصحُّ به دعواه. وليس هذا انتقالًا من حُجة إلى حُجة أوضح منها ـ كما زعم بعض النُّظار ـ وإنما هو إلزام للمدَّعي بطرد حُجته إن كانت صحيحةً.
ومن ذلك احتجاجه سبحانه على إثبات علمه بالجزئيات كلها بأحسن دليلٍ وأوضحه وأصحه، حيث يقول: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اِجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ اِلصُّدُورِ} [الملك: 14]، ثم قرَّر علمَه بذلك بقوله: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهْوَ اَللَّطِيفُ اُلْخَبِيرُ} [الملك: 15]. وهذا من أبلغ التقرير، فإن الخالق لا بد أن يعلم مخلوقه، والصانع يعلم مصنوعه، وإذا كنتم مقرِّين بأنه خالقكم وخالق صدوركم (4) وما تضمنته، فكيف يخفى عليه وهي خَلْقُه؟! وهذا التقرير ممَّا يصعب على القدرية فهمُه، فإنه لم يخلق عندهم ما في الصدور، فلم يكن في الآية على أصولهم دليلٌ على علمه بها، ولهذا طرد غلاة القوم