[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (17)]
حققه: محمد أجمل الإصلاحي
خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 573
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (17) الداء والدواء تأليف: الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب بن قيم الجوزية (691 - 751) حققه محمد أجمل الإصلاحي خرج أحاديثه زائد بن أحمد النشيري إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفةٌ في دينه، بحيث تمنعهم من إقامة الحدّ عليهم. فإنّه سبحانه من رأفته ورحمته بهم شرع هذه العقوبة، فهو أرحم منكم (1)، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة، فلا يمنَعْكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة (2) من إقامة أمره. وهذا وإن كان عامًّا في سائر الحدود، ولكن ذُكِرَ في حدّ الزنى خاصّةً، لشدّة الحاجة إلى ذكره. فإنّ الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر، فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيره من أرباب الجرائم، والواقع شاهد بذلك، فنُهُوا أن تأخذهم هذه الرأفة، وتحملهم على تعطيل حدّ الله. وسبب هذه الرحمة أنّ هذا ذنب يقع من الأشراف والأوساط والأرذال (3)، وفي النفوس أقوى الدواعي إليه، والمشارك فيه كثير، وأكثر أسبابه العشق، والقلوب مجبولة على رحمة العاشق، وكثير من الناس يعدّ مساعدته طاعةً وقربةً، وإن كانت الصورة المعشوقة محرّمة عليه. ولا يُستنكَر (4) هذا الأمر، فهو مستقِرّ عند ما شاء الله من أشباه الأنعام. ولقد حكي لنا من ذلك شيء كثير، أكثرُه عن ناقصي العقول (5) كالخدّام والنساء.