
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (١٤)]
المحقق: عبد الله بن سالم البطاطي
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، ١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: ٦٥٣
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والأُنْسُ به؛ في مَحَلِّ الخواطر والوساوس؛ أم لا؟ فالله المستعان.
وهاهنا نكتةٌ ينبغي التفطُّنُ لها، وهي أنَّ القلوبَ ممتلئةٌ بالأخلاط الرديئة. والعباداتُ والأذكارُ والتعوُّذَاتُ أدويةٌ لتلك الأخلاط، كما يثير الدواءُ أخلاطَ البدن، فإن كان قبل الدواء وبعده حِمْيَةٌ نَفَعَ ذلك الدواء، وقَلَعَ الدَّاءَ أو أكثَرَهُ، وإنْ لم يكن قبله ولا بعده حِمْيَةٌ (1) لم يزد الدواء على إثارته، وإن أزال منه شيئًا ما. فمدار الأمر على شيئين: الحِمْيَةِ، واستعمالِ الأدوية.
فصل
وأوَّلُ ما يطرق "القلبَ": الخَطْرَةُ. فإن دَفَعَها استراحَ ممَّا بعدها، وإن لم يدفَعْها قَوِيَت، فصارت: وَسْوَسَةً، فكان دفْعُها أصعب. فإن بادَرَ ودَفَعها، وإلا قويت، فصارت: شَهْوَةً. فإن عالَجَها، وإلا صارت: إرَادَةً. فإن عالَجَها، وإلا صارت: عَزِيمَةً.
ومتى وصَلَتْ إلى هذه الحال لم يمكنه دَفْعُها، واقترنَ بها الفعلُ ولا بدَّ، وما يقدر عليه من مقدِّمَاتِه. وحينئذٍ ينتقل العلاجُ من مقدِّماته (2) إلى أقوى الأدوية، وهو الاستفراغُ التَّامُّ بالتوبة النَّصُوحِ.
ولا ريب أنَّ دفْعَ مبادِئ هذا الدَّاءِ أوَّلًا أسهلُ بكثير من طلب الدواء، وإذا وازَنَ العبدُ بين دَفْع هذا الداءِ (3) من أوَّله، وبين استفراغه بعد حصوله - وساعَدَ القَدَرُ، وأعَانَ التوفيقُ - رأى أنَّ الدَّفْعَ أَوْلَى به.