[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (١٤)]
المحقق: عبد الله بن سالم البطاطي
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، ١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: ٦٥٣
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والضلالة، كما قال - تعالى - في وَصْفِهم (1) : {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17] وقال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59] أي: مُوجبَةً لهم التبصُّر واليقين، وإن كان جميع الأمَم المُهْلَكَةِ هذا شأنهم؛ فإنَّ الله لم يُهْلِك أُمَّةً إلا بعد قيام الحُجَّةِ عليها, لكن خُصَّت ثمود من ذلك الهُدَى والبصيرة بمزيد، ولهذا لمَّا قَرَنَهم بـ "عادٍ" قال: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} الآية [فصلت: 15] , ثُمَّ قال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17].
ولهذا أَمْكَنَ عادًا المُكابَرَةُ، وأن يقولوا لنبيِّهم: {مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} [هود: 53] , ولم يمكن ذلك ثمودًا، وقد رأَوا البيِّنَةَ عِيَانًا، وصارت لهم بمنزلة رؤية الشمس والقمر، فرَدُّوا الهُدَى بعد تيقُّنهِ والبصيرةِ التامَّةِ به، فكان في تخصيصهم بالذِّكر تحذيرٌ لكلِّ من عرف الحقَّ ولم يتَّبعْهُ، وهذا داء أكثر الهالكين، وهو أَعَمُّ الأدواء وأغلبُها على أهل الأرض، والله سبحانه وتعالى أعلم.