
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (١٤)]
المحقق: عبد الله بن سالم البطاطي
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، ١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: ٦٥٣
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فَكَونُ القرآنِ "فَصْلًا" يتضمَّنُ هذه المعاني كلَّها، ويتضمَّنُ كونه "حقًّا" ليس بالباطل، و"جِدًّا" ليس بالهَزْل.
ولمَّا كان الهَزْل هو الذي لا حقيقة له - وهو الباطل واللَّعِب - قابَلَ بين الفَصْلِ والهَزْلِ، وإنَّما يكيد المكذِّبون ويتحيَّلُون، ويخادِعون لِرَدِّه ولا يردُّونَه بِحُجَّةٍ، واللهُ يكيدُهم كما يكيدون دينَهُ ورسولَهُ وعبادَهُ، وكَيدُه - سبحانه - استدراجُهم من حيث لا يعلمون، والإملاءُ لهم حتَّى يأخُذَهم على غِرَّةٍ، كما قال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)} [الأعراف: 183]، فالإنسان إذا أراد أن يكيد غيره يُظْهِر له إكرامه وإحسانه إليه حتَّى يطمئنَّ إليه؛ فيأخذه، كما يفعل الملوك. فإذا فعل أعداءُ الله ذلك بأوليائِه ودينه كان كيدُ اللهِ لهم حَسَنًا لا قُبْحَ فيه، فيُعْطِيهم ويُعَافِيهم وهو يستدرجهم، حتى إذا فَرِحُوا بما أُوتوا أخذهم بغتةً.
ثُمَّ قال سبحانه وتعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}؛ أي: أَنظِرْهُم قليلًا ولا تستعجل لهم. والرَّبُّ - تعالى - هو الذي يُمْهِلُهم، وإنَّما خَرَجَ الخِطابُ للرسول - صلى الله عليه وسلم - على جهة التهديد والوعيد لهم، أو على معنى: انْتَظِرْ بِهِم قليلًا.
و"رُوَيْدًا" في كلامهم:
يكون اسم فِعْلٍ، فيُنْصَبُ بها الاسم نحو: رُويدًا زيدًا، أي: خَلِّه، وأَمهِلْهُ، وارفُقْ به.
الثاني: أن يكون مصدرًا مُضافًا إلى المفعول، نحو: رُوَيْدَ زيدٍ، أي: إمْهَالَ زيدٍ، نحو: "ضَرْبَ الرِّقَابِ".
الثالث: أن يكون نعتًا منصوبًا، نحو قولك: سَارُوا رويدًا، تقول