
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (25)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1151
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
* عنوان الكتاب: سماه المؤلف في مقدمته "إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان" كما هو مثبت بداخل جميع النسخ وعلى صفحة غلافها، وهي كذلك في بعض المصادر (1). وتصحفت "في" بـ "من" في معظم طبعات الكتاب، ولم أجد مستندها في المخطوطات والمصادر. وكأن الناشرين ظنُّوا أن صلة الإغاثة بـ"من" أولى، ويكون معنى العنوان: إغاثته وإخراجه من مصايد الشيطان. ولكن جميع الكتب التي ألِّفت بعنوان الإغاثة (2) إما أنها وُصِلت بالباء إذا كان المقصود بالكلمة التي تأتي بعدها ذكر الوسيلة، مثل: "إغاثة الأمة بكشف الغمة" للمقريزي، و"إغاثة اللهَّاج بفرائض المنهاج"، أو وُصِلت بـ "في" إذا كان الغرض إمداد القارئ وعونه في باب أو موضوع أو مشكلة، مثل: "إغاثة اللهفان في شرح قصيدة البردة"، و"إغاثة اللهف في تفسير سورة الكهف" لعمر بن يونس الحنفي، و"إغاثة اللهفان في تسخير الملائكة والجان" ليوسف معتوق تاج الدين البعلبكي، و"إغاثة الملهوف في عمل الخسوف والكسوف" لموسى بن شاهين الأبشادي، و"إغاثة المجدّين في تصحيح الدين بشرح أم البراهين" للقيرواني (هذا الأخير يمكن جعْلُ صلة الإغاثة فيه "في" أو الباء على اختلاف المعنى). وعلى هذه الجادة "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" و"إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان". فينبغي تصحيح الخطأ الشائع في عنوان هذا الكتاب.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّر وأعنْ (1)
الحمدُ لله الذي ظهر لأوليائه بنعوت جلاله، وأنار قلوبَهم بمشاهدِ (2) صفاتِ كماله، وتعرّف إليهم بما أسداه إليهم من إنعامه وإفضاله، فعلموا أنه الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، بل هو كما وصف به نفسَه وفوق ما يصفه به أحدٌ من خلقه في إكثاره وإقلاله، لا يُحصي أحدٌ ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه على لسان مَن أكرمهم بإرساله؛ الأول الذي ليس قبله شيء، والآخِر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيءٌ، والباطن الذي ليس دونه شيء، ولا يحجُب المخلوقَ عنه تستُّرُه بسِرْباله، الحي القيوم، الواحد الأحد، الفرد الصمد، المنفرد بالبقاء، وكل مخلوق مُنْتَهٍ إلى زواله، السميع الذي يسمع ضجيجَ الأصوات باختلاف اللغات على تفنُّن الحاجات، فلا يَشْغَلُه سمعٌ عن سمع، ولا تُغلّطه المسائل، ولا يتبرّم من إلحاح المُلِحّين في سؤاله، البصير الذي يرى دبيبَ النملة السوداء على الصخرة الصَّمَّاء في الليلة الظّلماء حيث كانت من سهله أو جباله، وألطفُ من ذلك رؤيته لتقلُّب قلب عبده، ومشاهدتُه لاختلاف أحواله؛ فإن أقبل إليه تلقَّاه، وإنما إقبالُ العبد عليه من إقباله، وإن أعرض عنه لم يَكِلْهُ إلى عدوِّه ولم يَدَعْهُ في إهماله، بل يكون