
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (25)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1151
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وعذره في ذلك (1) أنه حُبِس لأجلها وامتُحن وأوذي في ذلك، فإن الفتوى بجعل الطلاق الثلاث بلفظ واحدٍ يقع طلقة واحدةً أمر مستنكر لدى جمهور العلماء، فضلًا عن طلاب العلم وعامة الناس، إذ هم يكادون يُطبقون على أنها تقع ثلاثًا لا واحدةً، فلا عجب إذا رأينا المؤلف يكرر الحديث عن هذا الموضوع، ويزيده في البسط والبيان ليظهر ما يعتقده دينًا وشرعًا، مؤيدًا له بشتى وجوه الأدلة من الكتاب والسنة والمعنى واللغة، مستفيدًا من كلام شيخه في مواضع مختلفة. وهناك موضوعات أخرى مثل عشق الصور وأمراض القلوب وشفائها، تكلم عليها هنا وفي غيره من مؤلفاته، وفي كلٍّ منها ما ليس في الآخر، وهذه طريقته في جميع كتبه، فلا نتوسع بالحديث عنها. * أهميته: خصّص المؤلف هذا الكتاب للتحذير من مصايد الشيطان ومكايده، وتناول كثيرًا من الأمراض القلبية والاعتقادات الفاسدة وضلالات الفرق والطوائف بالبحث والدراسة، وتوسَّع في معالجتها وردّ الشُّبه التي يتعلق بها رؤوس البدع والضلال. ويعتبر هذا الكتاب من أفضل الكتب التي أُلِّفت في بابه، ومن أهمّ مؤلفات ابن القيم رحمه الله، وقد أثنى عليه العلماء وتداولوه فيما بينهم، ونظموا في مدحه شعرًا وفضَّلُوه على غيره من الكتب في هذا الباب، وحثُّوا طالب العلم على قراءته واقتنائه، كما سيأتي ذكره في وصف النسخ. وقد قال العلامة محمود شكري الآلوسي في التعريف به: "هو كتاب
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّر وأعنْ (1)
الحمدُ لله الذي ظهر لأوليائه بنعوت جلاله، وأنار قلوبَهم بمشاهدِ (2) صفاتِ كماله، وتعرّف إليهم بما أسداه إليهم من إنعامه وإفضاله، فعلموا أنه الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، بل هو كما وصف به نفسَه وفوق ما يصفه به أحدٌ من خلقه في إكثاره وإقلاله، لا يُحصي أحدٌ ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه على لسان مَن أكرمهم بإرساله؛ الأول الذي ليس قبله شيء، والآخِر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيءٌ، والباطن الذي ليس دونه شيء، ولا يحجُب المخلوقَ عنه تستُّرُه بسِرْباله، الحي القيوم، الواحد الأحد، الفرد الصمد، المنفرد بالبقاء، وكل مخلوق مُنْتَهٍ إلى زواله، السميع الذي يسمع ضجيجَ الأصوات باختلاف اللغات على تفنُّن الحاجات، فلا يَشْغَلُه سمعٌ عن سمع، ولا تُغلّطه المسائل، ولا يتبرّم من إلحاح المُلِحّين في سؤاله، البصير الذي يرى دبيبَ النملة السوداء على الصخرة الصَّمَّاء في الليلة الظّلماء حيث كانت من سهله أو جباله، وألطفُ من ذلك رؤيته لتقلُّب قلب عبده، ومشاهدتُه لاختلاف أحواله؛ فإن أقبل إليه تلقَّاه، وإنما إقبالُ العبد عليه من إقباله، وإن أعرض عنه لم يَكِلْهُ إلى عدوِّه ولم يَدَعْهُ في إهماله، بل يكون