{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ [142 أ] الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (25)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1151
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فهذا الكتاب الذي نقدِّمه إلى القراء من أعظم مؤلفات الإمام ابن القيم وأجلِّها، وهو كتاب نادر في بابه، استقصى فيه المؤلف مصايد الشيطان ومكايده، ومهَّد لها بأبواب في أمراض القلوب وعلاجها. وقد كان المؤلف من أطباء القلوب البارعين، تناول هذا الموضوع في عددٍ من كتبه بأسلوبه الخاص، يعتمد فيها على نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف، ويمزجها بشيء من الشعر في المواعظ والآداب، ويُرشد الناس إلى إصلاح عقيدتهم وسلوكهم وتزكية نفوسهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم. وقد قمت بتحقيق الكتاب بالاعتماد على مخطوطاته القديمة التي تيسَّر الحصول عليها، وأقْدَمها تلك النسخة التي كُتبت في حياة المؤلف سنة 738، وحاولت أن أستخلص نصًّا سليمًا في ضوئها كما تركه المؤلف، وصححت كثيرًا من الأخطاء والتحريفات الموجودة في الطبعات المتداولة التي صدرت بالاعتماد على طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، وإن ادَّعى أصحابها أنهم اعتمدوا على بعض النسخ الخطية. وفيما يلي دراسة عن الكتاب تحتوي على تحقيق عنوانه ونسبته إلى المؤلف، وتاريخ تأليفه، وموضوعاته ومباحثه، ومنهج المؤلف فيه، وبيان أهميته، وموارده، وأثره في الكتب اللاحقة، ووصف مخطوطاته، وطبعاته، ومنهجي في هذه الطبعة، وبالله التوفيق.
الحجاج بن صفوان، عن ابن أبى حسين، عن شَهر بن حَوْشب، عن عمرو بن عَبَسة، قال: كنت امرءًا ممن عبد الحجارة، فينزل الحي ليس معهم إله، فيخرجُ الرجل منهم، فيأتي بأربعة أحجار، فينصب ثلاثة لقِدْره، ويجعل أحسنها إلهًا يعبده، ثم لعلّه يجد ما هو أحسنُ منه قبل أن يرتحل، فيتركه ويأخذ غيره. ولما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وجد حول البيت ثلاث مئة وستين صنمًا، فجعل يَطعَنُ بِسِيَةِ قَوْسه في وُجوهها وعيونها، ويقول:
{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ [142 أ] الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]
، وهى تتساقط على رؤوسها، ثم أمر بها، فأُخْرِجت من المسجد وحُرّقت (1). فصل وتلاعُبُ الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام له أسباب عديدة، تلاعبَ بكل قوم على قدر عقولهم: فطائفةٌ دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى، الذين صوّرُوا تلك الأصنام على صورهم، كما تقدم عن قوم نوح عليه السلام، ولهذا لعنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - المتخذين على القبور المساجدَ والسُّرج، ونهى عن الصلاة إلى القبور، وسأل ربه سبحانه أن لا يجعل قبره وثنًا يُعبد، ونهى أمّته أن يتخذوا قبره عيدًا، وقال:
«اشتدَّ غضبُ الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»
، وأمر بتسوية القبور، وطَمْسِ التماثيل (2).