{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (25)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1151
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فهذا الكتاب الذي نقدِّمه إلى القراء من أعظم مؤلفات الإمام ابن القيم وأجلِّها، وهو كتاب نادر في بابه، استقصى فيه المؤلف مصايد الشيطان ومكايده، ومهَّد لها بأبواب في أمراض القلوب وعلاجها. وقد كان المؤلف من أطباء القلوب البارعين، تناول هذا الموضوع في عددٍ من كتبه بأسلوبه الخاص، يعتمد فيها على نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف، ويمزجها بشيء من الشعر في المواعظ والآداب، ويُرشد الناس إلى إصلاح عقيدتهم وسلوكهم وتزكية نفوسهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم. وقد قمت بتحقيق الكتاب بالاعتماد على مخطوطاته القديمة التي تيسَّر الحصول عليها، وأقْدَمها تلك النسخة التي كُتبت في حياة المؤلف سنة 738، وحاولت أن أستخلص نصًّا سليمًا في ضوئها كما تركه المؤلف، وصححت كثيرًا من الأخطاء والتحريفات الموجودة في الطبعات المتداولة التي صدرت بالاعتماد على طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، وإن ادَّعى أصحابها أنهم اعتمدوا على بعض النسخ الخطية. وفيما يلي دراسة عن الكتاب تحتوي على تحقيق عنوانه ونسبته إلى المؤلف، وتاريخ تأليفه، وموضوعاته ومباحثه، ومنهج المؤلف فيه، وبيان أهميته، وموارده، وأثره في الكتب اللاحقة، ووصف مخطوطاته، وطبعاته، ومنهجي في هذه الطبعة، وبالله التوفيق.
ذلك من القُرْبِ من الرحمن، فسكنت إلى ذلك المحبوب الخسيس الذي ألَمُها به أضعافُ لَذّتها، ونَيْلُه والوصول إليه أكبر أسباب مضرَّتها، فما أوْشَكَهُ حبيبًا يستحيل عدوًّا عن قريب، ويتبرَّأ منه مُحِبُّه لو أمكنه حتى كأنه لم يكن له بحبيب، وإن تمتّع به في هذه الدار فسوف يجدُ به أعظم الألم بعد حين، لاسيَّما إذا صار
{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
فيا حسرةَ المحبِّ الذي باع نفسه لغير الحبيب [118 أ] الأول بثمن بخس، وشهوة عاجلة، ذهبت لذتها وبقيت تَبِعتها، وانقضت منفعتها وبقيت مضرتها، فذهبت الشهوة وبقيت الشِّقوة، وزالت المسرّة (1) وبقيت الحسرة، فوارَحْمتاه لِصَبٍّ جُمعَ له بين الحسرتين: حسرةِ فوت المحبوب الأعلى والنعيم المقيم، وحسرة ما يقاسيه من النَّصَب في العذاب الأليم! فهنالك يعلمُ المخدوعُ أيَّ بضاعة أضاع، وأن من كان مالكَ رِقِّه وقلبه لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدم والأتباع، وأيّ مصيبة أعظم من مصيبة مَلِكٍ أُنْزِلَ عن سرير ملكه، وجُعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكه أسيرًا، وجُعل تحت أوامره ونواهيه مقهورًا، فلو رأيت قلبه وهو في يد محبوبه لرأيته: كَعُصْفُورَةٍ في كَفِّ طِفْلٍ يَسُومُهَا ... حِيَاضَ الرَّدَى وَالطِّفْلُ يَلْهُو وَيَلْعَبُ (2)