{وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} [البقرة: 282]

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (25)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1151
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فهذا الكتاب الذي نقدِّمه إلى القراء من أعظم مؤلفات الإمام ابن القيم وأجلِّها، وهو كتاب نادر في بابه، استقصى فيه المؤلف مصايد الشيطان ومكايده، ومهَّد لها بأبواب في أمراض القلوب وعلاجها. وقد كان المؤلف من أطباء القلوب البارعين، تناول هذا الموضوع في عددٍ من كتبه بأسلوبه الخاص، يعتمد فيها على نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف، ويمزجها بشيء من الشعر في المواعظ والآداب، ويُرشد الناس إلى إصلاح عقيدتهم وسلوكهم وتزكية نفوسهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم. وقد قمت بتحقيق الكتاب بالاعتماد على مخطوطاته القديمة التي تيسَّر الحصول عليها، وأقْدَمها تلك النسخة التي كُتبت في حياة المؤلف سنة 738، وحاولت أن أستخلص نصًّا سليمًا في ضوئها كما تركه المؤلف، وصححت كثيرًا من الأخطاء والتحريفات الموجودة في الطبعات المتداولة التي صدرت بالاعتماد على طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، وإن ادَّعى أصحابها أنهم اعتمدوا على بعض النسخ الخطية. وفيما يلي دراسة عن الكتاب تحتوي على تحقيق عنوانه ونسبته إلى المؤلف، وتاريخ تأليفه، وموضوعاته ومباحثه، ومنهج المؤلف فيه، وبيان أهميته، وموارده، وأثره في الكتب اللاحقة، ووصف مخطوطاته، وطبعاته، ومنهجي في هذه الطبعة، وبالله التوفيق.
وأمر مَن عليه الحق أن يُملِلَ، ويتقي ربه، ولا يبخس من الحق شيئًا، فإن تعذّر إملاؤه لسفهه، أو صغره، أو جنونه، أو عدم استطاعته، فَوليُّه مأمور بالإملاء عنه. وأرشدهم إلى حفظها باستشهاد شهيدين من الرجال، أو رجل وامرأتين، فأمرهم بالحفظ بالنِّصاب التام، الذي لا يحتاج صاحبُ الحقّ معه إلى يمين، ونهى الشهود أن يأبَوْا إذا دُعوا إلى إقامة الشهادة. ثم أكّد ذلك عليهم بنهيهم أن يمتنعوا من كتابة الحقير والجليل من الحقوق سآمةً ومللًا. وأخبر أن ذلك أعدل عنده، وأقْوَم للشهادة، فيتذكرها الشاهد إذا عاين خَطّه، فيقيمها، وفى ذلك تنبيهٌ على أن له أن يقيمها إذا رأى خطَّه وتَيَقَّنه، وإلا لم يكن للتعليل بقوله:
{وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} [البقرة: 282]
فائدة. وأخبر أن ذلك أقرب إلى اليقين، وعدم الرّيب، ثم رفع عنهم الجُناح بترك الكتابة إذا كان بيعًا حاضرًا فيه التقابُضُ من الجانبين، يأمَنُ به كلُّ واحد من المتبايعين من جُحود الآخر ونِسْيانه. ثم أمرهم مع ذلك بالإشهاد إذا تبايعوا، خشية الجحود وغَدْر كل واحد منهما بصاحبه، فإذا أشهدَا على التبايع أمِنَا ذلك. ثم نهى الكاتبَ والشهيدَ عن أن يُضارّا، إما بأنْ يمتنعا من الكتابة والشهادة تَحمّلًا وأداءً، أو أن يَطْلُبا على ذلك جُعْلًا يَضُرّ بصاحب الحق، أو يكتُم الشاهدُ بعض الشهادة، أو يؤخِّرا الكتابة والشهادة تأخيرًا يضرُّ بصاحب الحق، أو يَمْطُلا، ونحو ذلك.