«أن عيسى ابن مريم رأى رجلاً يسرق، فقال: سرقتَ؟ فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو! فقال المسيح: آمنتُ بالله وكذّبتُ بصري».

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (25)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1151
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فهذا الكتاب الذي نقدِّمه إلى القراء من أعظم مؤلفات الإمام ابن القيم وأجلِّها، وهو كتاب نادر في بابه، استقصى فيه المؤلف مصايد الشيطان ومكايده، ومهَّد لها بأبواب في أمراض القلوب وعلاجها. وقد كان المؤلف من أطباء القلوب البارعين، تناول هذا الموضوع في عددٍ من كتبه بأسلوبه الخاص، يعتمد فيها على نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف، ويمزجها بشيء من الشعر في المواعظ والآداب، ويُرشد الناس إلى إصلاح عقيدتهم وسلوكهم وتزكية نفوسهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم. وقد قمت بتحقيق الكتاب بالاعتماد على مخطوطاته القديمة التي تيسَّر الحصول عليها، وأقْدَمها تلك النسخة التي كُتبت في حياة المؤلف سنة 738، وحاولت أن أستخلص نصًّا سليمًا في ضوئها كما تركه المؤلف، وصححت كثيرًا من الأخطاء والتحريفات الموجودة في الطبعات المتداولة التي صدرت بالاعتماد على طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، وإن ادَّعى أصحابها أنهم اعتمدوا على بعض النسخ الخطية. وفيما يلي دراسة عن الكتاب تحتوي على تحقيق عنوانه ونسبته إلى المؤلف، وتاريخ تأليفه، وموضوعاته ومباحثه، ومنهج المؤلف فيه، وبيان أهميته، وموارده، وأثره في الكتب اللاحقة، ووصف مخطوطاته، وطبعاته، ومنهجي في هذه الطبعة، وبالله التوفيق.
فالمؤمن غِرٌّ كريم، والفاجر خِبٌّ لئيم. وفى «الصحيح» (1):
«أن عيسى ابن مريم رأى رجلاً يسرق، فقال: سرقتَ؟ فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو! فقال المسيح: آمنتُ بالله وكذّبتُ بصري».
وقد تأوَّله بعضهم على أنه لما حلف له جَوّز أن يكون قد أخذ ماله، فظنه المسيح سرقه. وهذا تكلُّف، وإنما كان الله سبحانه في قلب المسيح أجلّ وأعظم من أن يحلف به أحد كاذبًا، فلما حلف له السارق دار الأمر بين تهمته وتهمة بصره، فردّ التهمة إلى بصره لمّا اجتهد له في اليمين بالله، كما ظنَّ آدم صدقَ إبليس لما حلف له بالله، وقال: ما ظننت أحدًا يحلف بالله كاذبًا. فصل ومن كيده العجيب: أنه يُشامُّ النفس، حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها: قوة الإقدام والشجاعة، أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة؟ فإنْ رأى الغالبَ على النفس المهانةَ والإحجام؛ أخذ في تثبيطه وإضعاف همته وإرادته عن المأمور به، وثقّله عليه، وهوّن عليه تركه، حتى يتركه جملة، أو يُقصِّر فيه ويتهاون يه. وإن رأى الغالبَ عليه قوةَ الإقدام وعلوّ الهمة؛ أخذ يُقلّل [35 أ] عنده المأمور به، ويُوهِمه أنه لا يكفيه، وأنه يحتاج معه إلى مبالغة وزيادة.