{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (25)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1151
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فهذا الكتاب الذي نقدِّمه إلى القراء من أعظم مؤلفات الإمام ابن القيم وأجلِّها، وهو كتاب نادر في بابه، استقصى فيه المؤلف مصايد الشيطان ومكايده، ومهَّد لها بأبواب في أمراض القلوب وعلاجها. وقد كان المؤلف من أطباء القلوب البارعين، تناول هذا الموضوع في عددٍ من كتبه بأسلوبه الخاص، يعتمد فيها على نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف، ويمزجها بشيء من الشعر في المواعظ والآداب، ويُرشد الناس إلى إصلاح عقيدتهم وسلوكهم وتزكية نفوسهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم. وقد قمت بتحقيق الكتاب بالاعتماد على مخطوطاته القديمة التي تيسَّر الحصول عليها، وأقْدَمها تلك النسخة التي كُتبت في حياة المؤلف سنة 738، وحاولت أن أستخلص نصًّا سليمًا في ضوئها كما تركه المؤلف، وصححت كثيرًا من الأخطاء والتحريفات الموجودة في الطبعات المتداولة التي صدرت بالاعتماد على طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، وإن ادَّعى أصحابها أنهم اعتمدوا على بعض النسخ الخطية. وفيما يلي دراسة عن الكتاب تحتوي على تحقيق عنوانه ونسبته إلى المؤلف، وتاريخ تأليفه، وموضوعاته ومباحثه، ومنهج المؤلف فيه، وبيان أهميته، وموارده، وأثره في الكتب اللاحقة، ووصف مخطوطاته، وطبعاته، ومنهجي في هذه الطبعة، وبالله التوفيق.
ثم قال في كتابه: وإنما مثال هذا مثال الملك يكتبُ إلى بعض عُمّاله كتابًا، فيأخذه العاملُ ويُقَبِّله ويضعهُ على عينيه، ويقومُ له، لا تعظيمًا للقِرطاس والمداد، بل تعظيمًا للملك، كذلك السجود للصور تعظيمٌ لاسم ذلك المصوّر، لا للأصباغ والألوان. وبهذا المثال بعينه عُبِدَت الأصنام. وما ذكره هذا المشركُ عن موسى وسليمان عليهما السلام لو صحَّ لم يكن فيه دليلٌ على السجود للصور، وغايتُه أن يكون بمثابة ما يُذكر عن داود: أنه نقش خطيئته في كفِّه لئلا ينساها، فأين هذا مما يفعله هؤلاء المشركون من التذَلّل، والخضوع، والسجود بين يدي تلك الصور؟ وإنما المثالُ المطابقُ لما يفعله هؤلاء المشركون: مثالُ خادمٍ من خُدّام الملك دخل على رَجُل قريب من مجلسه، وسجد له وعبده، وفعل به ما لا يصلح أن يُفعل إلا مع الملك، وكلّ عاقل يستجهله ويستحمقه في فعله إذ قد فعلَ مع عبد الملك ما كان ينبغي له أن يَخُصّ به الملك دون عبيده من الإكرام، والخضوع، والتذلل. ومعلومٌ أن هذا إلى مَقْتِ الملك له، وسُقوطه من عينه أقربُ منه إلى إكرامه له، ورفع منزلته. كذلك حالُ مَنْ سجد لمخلوق، أو لصورة مخلوق لأنه عَمَدَ إلى السجود الذي هو غايةُ ما يتوصل به العبدُ إلى رضا الربّ، ولا يصلح إلا له، ففعله لصورة عبد من عبيده، وسوّى بين الله وبين عبده في ذلك، وليس وراء هذا في القبح والظلم شيء. ولهذا قال تعالى:
{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].