{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (25)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1151
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فهذا الكتاب الذي نقدِّمه إلى القراء من أعظم مؤلفات الإمام ابن القيم وأجلِّها، وهو كتاب نادر في بابه، استقصى فيه المؤلف مصايد الشيطان ومكايده، ومهَّد لها بأبواب في أمراض القلوب وعلاجها. وقد كان المؤلف من أطباء القلوب البارعين، تناول هذا الموضوع في عددٍ من كتبه بأسلوبه الخاص، يعتمد فيها على نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف، ويمزجها بشيء من الشعر في المواعظ والآداب، ويُرشد الناس إلى إصلاح عقيدتهم وسلوكهم وتزكية نفوسهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم. وقد قمت بتحقيق الكتاب بالاعتماد على مخطوطاته القديمة التي تيسَّر الحصول عليها، وأقْدَمها تلك النسخة التي كُتبت في حياة المؤلف سنة 738، وحاولت أن أستخلص نصًّا سليمًا في ضوئها كما تركه المؤلف، وصححت كثيرًا من الأخطاء والتحريفات الموجودة في الطبعات المتداولة التي صدرت بالاعتماد على طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، وإن ادَّعى أصحابها أنهم اعتمدوا على بعض النسخ الخطية. وفيما يلي دراسة عن الكتاب تحتوي على تحقيق عنوانه ونسبته إلى المؤلف، وتاريخ تأليفه، وموضوعاته ومباحثه، ومنهج المؤلف فيه، وبيان أهميته، وموارده، وأثره في الكتب اللاحقة، ووصف مخطوطاته، وطبعاته، ومنهجي في هذه الطبعة، وبالله التوفيق.
أنه يُعفَى عن النجاسات المخففة ــ كالنجاسة في محل الاستجمار، وأسفل الخُفّ والحذَاء، وبول الصبي الرّضيع وغير ذلك ــ مالا يُعْفَى عن المغلظة، وكذلك يُعفَى عن الصغائر ما لا يُعفَى عن الكبائر، ويُعفَى لأهل التوحيد المحض الذي لم يَشُوبوه بالشرك ما لا يُعفَى لمن ليس كذلك. فلو لقي الموحِّدُ ــ الذي لم يشرك بالله شيئًا البتة ــ ربَّه بقُراب الأرض خطايا أتاه بقُرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده وشابَهُ بالشرك؛ فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب، فإنه يتضمن من محبة الله وإجلاله، وتعظيمه، وخوفه، ورجائه وحده، ما يوجب غَسْلَ الذنوب، ولو كانت قُراب الأرض، فالنجاسة عارضة، والدافع لها قويّ، فلا تثبت معه. ولكن نجاسة الزنا واللواط أغلظ من غيرهما من النجاسات، من جهة أنها تُفسِد القلب، وتُضعِف توحيده جدًّا، ولهذا أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركًا؛ فكلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصًا كان منها أبعد، كما قال تعالى عن يوسف الصديق:
{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].
فإن عشق الصور المحرّمة نوع تَعَبُّدٍ لها، بل هو من أعلى أنواع التعبد، ولا سيما إذا استولى على القلب وتمكن منه صار تتَيُّمًا، والتتيم: التعبد، فيصير العاشق عابدًا لمعشوقه، وكثيرًا ما يغلب حبُّه وذِكْرُه والشوق إليه، والسعي في مرضاته، وإيثارُ محابّه، على حب الله وذِكْرِه والسعي في مرضاته، بل كثيرًا ما يذهب ذلك من قلب العاشق بالكُلِّية، ويصير متعلقًا