إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان

إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان

3314 1

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (6)]

تحقيق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد

راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - جديع بن جديع الجديع

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الخامسة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 65

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

مشاركة

فهرس الموضوعات

غضبه حتى ألجأه الشيطان إلى التكلُّم بما لم يكن مختارًا للتكلُّم به ... " (1). ومثَّل للأول: بمن زنت امرأته، فغضب، فطلقها؛ لأنه لا يرى المُقام مع زانية، فلم يقصد بالطلاق إطفاء نار الغضب، بل التخلص من المقام معها، فهذا يقع طلاقه (2). وقال: "إن لو لم يقع هذا الطلاق لم يقع أكثرُ الطلاق؛ فإنه غالبًا لا يقع مع الرضا" (3). ومثَّل للثاني: بمن خاصمته امرأته وهو يعلم من نفسه إرادة المقام معها على الخصومة وسوء الخُلُق، ولكن حمله الغضب على أن شفى نفسه بالتكلُّم بالطلاق، كسرًا لها وإطفاءً لنار غضبه (4). فهذا الذي لا يقع طلاقه. فكلامه إنما هو في "الغضبان الذي يكره ما قاله حقيقة" (5). وهو يعتبر هذا الفرق بين الصورتين هو حرف المسألة ونُكْتتها. الثاني: الوقوفُ على مرتبة الغضب ودرجته.

الصفحة

12/ 29

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله الحكيم الكريم، العليِّ العظيم، السميع العليم، الرَّءوفِ الرحيم، الذي أَسْبَغ على عباده النِّعمة، وكتب على نفسه الرحْمة، وَضَمَّنَ الكتابَ الذي كَتَبه أن رحمته تَغْلِبُ غضبه، فهو أرحم بعباده من الوالدةِ بولدها، كما هو أشدُّ فرحًا بتوبة التائب مِنَ الفاقدِ لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المَهْلكة إذا وجدها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأرحمُ الراحمين، الذي تَعَرَّفَ إلى خلقه بصفاته وأسمائه، وتَحَجَّبَ إليهم بإحسانه وآلائه. وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذي خَتَم به النبيين، وأرسله رحمةً للعالمين، وبَعَثه بالحنيفيَّة السَّمحة والدين المُهَيْمِن على كُلِّ دين، فَوَضَع به الآصارَ والأغلالَ، وأغنى بشريعته على طُرقِ المكر والاحتيال، وفَتَح لمن اعتصم بها طريقًا واضحًا ومنهجًا، وجعل لمن تمسَّك بها من كلِّ ما ضاق عليه فرجًا ومخرجًا. فعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السَّعَةُ والرحمة، وعند غيره الشِّدة والنقمة، فما جاءه مكروبٌ إلا وَجَد عنده تفريجَ كربَتِه، ولا لهفان إلا وجد عنده إغاثة لَهْفته، فما فَرَّق بين زوجين إلا عن وَطَرٍ واختيار، ولا شتَّتَ شَمْلَ مُحبَّيْنِ إلا على إرادةٍ منهما وإيثار، ولم يُخَرِّبْ ديار المُحِبِّيْنِ بِغَلَطِ اللسان، ولم يُفَرِّقْ بينهم بما جرى عليه من غير قصدِ الإنسان، بل رفع المؤاخذةَ بالكلام الذي لم يَقْصِدْه المتكلِّم بل جرى على لسانه بحكم

الصفحة

3/ 65

مرحباً بك !
مرحبا بك !