
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وبعدما أفاض القول في ذكر أقوال السلف في إبطال الحيل، والرد على احتجاجات أرباب الحيل، وذكر أمثلة كثيرة من الحيل المحرمة؛ ثم ذكر قاعدة في أقسام الحيل ومراتبها، وقسّمها قسمين: القسم الأول: الحيل التي يُقصد بها إبطالُ حقّ وإثبات باطل، وقسَّمها ثلاثة أقسام. والقسم الثاني: أن يقصد بالحيلة أخذ حق أو دفع باطل. وقسَّمه أيضًا إلى ثلاثة أقسام: أحدها أن يكون الطريق محرَّمًا في نفسه، وإن كان المقصود به حقًّا، والثاني أن يكون الطريق مشروعًا وما يفضي إليه مشروع، ونبه على أن كلامه وكلام السلف في ذم الحيل لا يتناول هذا القسم. والقسم الثالث: أن يحتال على التوصل إلى الحق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم توضع أصلا موصلة إلى ذلك، أو وضعت له لكن تكون خفية لا يفطن لها. ومثلها مثل المعاريض في الكلام. ثم أورد 116 مثالًا من هذه الطرق، وآخرها في المخارج من الوقوع في التحليل الملعون فاعلُه والمطلِّقُ المحلَّلُ له. وذكر أنها دائرة بين ما دل عليه الكتاب والسنة أو أحدهما، أو أفتى به الصحابة أو بعضهم أو مخرّج على أقوالهم، أو هو قول الجمهور أو بعض الأئمة الأربعة أو بعض أتباعهم أو غيرهم من العلماء. وهي اثنا عشر مخرجًا. ومن المسائل التي أطال الكلام عليها: الاستثناء في الطلاق.
* فصل في جواز الفتوى بالآثار السلفية والفتاوى الصحابية، وأنها أولى بالأخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم ... (4/ 576 - 638).
مهَّد المؤلف لهذا الفصل بكلمة هي في الحقيقة نفثة مصدور، وكأنه يحكي محنة شيخه ومحنته هو مع فقهاء عصره، إذ قال: «فلا يدري (يعني المفتي أو الحاكم) ما عذره غدًا عند الله إذا سوّى بين أقوال أولئك وفتاويهم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،