
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
خلافًا لأمثال القرآن التي أفاض في تفسيرها من قبل.
واستمرّ على تفصيل أدلة نفاة القياس، وسرد أقوال الصحابة والتابعين في ذمه، وبيان تناقض أهل القياس واضطرابهم في أقيستهم بالجمع بين المتفرقات والتفريق بين المتماثلات. وفي خلال ذلك ناقش مسائل كثيرة آخرها: - القصاص في اللطمة والضربة (2/ 118 - 142) وقد أطال فيها، إلى أن قال: «وهذا غيض من فيض، وقطرة من بحر من تناقض القيّاسين والآرائيين ... فانظر إلى هذين البحرين اللذين قد تلاطمت أمواجهما ... ».
ثم ذكر قول المتوسطين بين الفريقين (2/ 144 - 506). وهذا القسم لب هذا الباب وخلاصة فكر المؤلف وشيخه في القياس ومعظمه مأخوذ منه، ويشتمل على أهم فصول الكتاب. ذكر في أوله أن الناس في القياس ثلاث فرق: فرقة قالت إن النصوص لا تحيط بأحكام الحوادث، وقال غلاتها: ولا بعُشر معشارها. وأخرى حرّمت القياس البتة، وأنكرت الحكمة والتعليل في الخلق والأمر، وفرقة ثالثة نفت الحكمة والتعليل والأسباب لكنها أقرّت بالقياس. ثم قال: إن كل فرقة من الفرق الثلاث سدُّوا على أنفسهم طريقًا من طرق الحق، فاضطرّوا إلى توسعة طريق أخرى أكثر مما تحمله. والردُّ علىهم اقتضى الكلام على: - الاستصحاب (2/ 158 - 178).
ثم ذكر خطأ أصحاب الرأي والقياس من خمسة أوجه، وأنه للرد عليها
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،