
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ثم ذكر أدلة أخرى لأصحاب القياس من السنة وعمل الصحابة واختلافهم في مسائل كثيرة. وهنا جاء ببحث مهم ولطيف: - منشأ غلط أرباب الألفاظ وأرباب المعاني في فهم مراد المتكلم (1/ 439 - 453).
وبعد ما فرغ من أدلة القيَّاسين قال: «قد أتينا على ذكر فصول نافعة وأصول جامعة في تقرير القياس والاحتجاج به، لعلك لا تظفر بها في غير هذا الكتاب، ولا بقريب منها! فلنذكر مع ذلك ما قابلها من النصوص والأدلَّة الدالّة على ذمِّ القياس، وأنه ليس من الدين، وحصولِ الاستغناء عنه والاكتفاء بالوحيين. وها نحن نسوقها مفصّلةً مبيّنةً بحمد الله».
وبدأ تفصيل أدلة نفاة القياس (1/ 453 - 2/ 144) بذكر استدلالهم ببعض الآيات، واعتراضاتهم الأخرى على القياس، وذكر قولهم: إن ضرب الأمثال لله منهي عنه، فكذلك ضرب الأمثال لدينه، وإن تمثيل غير المنصوص على حكمه بالمنصوص عليه لشبهٍ ما هو ضربُ الأمثال لدينه. ثم قال: «وهذا بخلاف ما ضربه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأمثال في كثير من الأحكام ... ومن أحسن هذه الأمثال وأبلغها وأعظمها تقريبا للأفهام: ما رواه ... »: - أمثال الحديث (1/ 458 - 480).
ألم تر كيف تلطف المؤلف لإيجاد مكان لهذا الموضوع ضمن أدلة النفاة، مع أنه من أدلة المثبتين؟ وكأنه شعر بأنه لوجمع أمثال القرآن والحديث كليهما في مكان واحد هنا أو هناك لاستثقل القارئ إقحام الموضوعين على هذا الوجه، ففرّق بينهما. ومما يلاحظ أن المؤلف اقتصر على سرد أمثال الحديث هنا، مع أنه قد فسّر بعضها في مؤلفاته الأخرى،
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،