أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بينهما كلام في ذلك، إلى أن أظهر ابن القيم موافقته للجمهور. وهذه الحادثة وقعت سنة 746.
أما كتاب «الفروسية» فهو مطبوع. وقد تناول فيه ابن القيم مسألة المسابقة بالتفصيل، وبعد ما استوفى وجوه القول فيها قال: «فتأمل أيها المنصف هذه المذاهب وهذه المآخذ، لتعلم ضعف بضاعة من قمَّش شيئا من العلم من غير طائل، وارتوى من غير مورد، وأنكر غير القول الذي قلَّده بلا علم، وأنكر على من ذهب إليه، وأفتى به، وانتصر له. فكأن مذهبه وقول من قلّده عيارًا (كذا، والصواب: عيار، بالرفع) على الأمة، بل عيارًا (كذا وقع هنا أيضا) على الكتاب والسنة».
والظاهر أن هذا النص يشير إلى الحادثة المذكورة التي وقعت للمؤلف مع تقي الدين السبكي، ومن ثم استظهر محقق كتاب «الفروسية» في مقدمته (ص 13 - 14) أن ابن القيم ألَّفه سنة 746 أو بعدها بقليل، وقد يفهم منه أيضا أن كتاب «أعلام الموقعين» الذي ذكر فيه كتاب «الفروسية» ألَّفه بعد سنة 746.
قلنا: الظاهر من عبارة ابن كثير أن ابن القيم «صنَّف فيه مصنَّفًا من قبل ذلك» أي قبل سنة 746 بمدة، وليس بعدها. وقد ثبت من قبل بما لا ريب فيه أن «أعلام الموقعين» أُلِّف قبل سنة 738، فيكون تأليفه للفروسية بعد الأعلام، والإحالة عليه في الفروسية لا غبار عليها.
ولكن متى شرع في تأليف الكتاب، ومتى فرغ منه؟ لا سبيل لنا إلى الإجابة عن هذا السؤال، ولكن ما المانع من تحسُّس خبره؟ ولعل بارقة تلوح لنا!
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،