
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ظاهرًا لا يحتجب أصلا، بمنزلة الأعلام المنصوبة التي يهتدي بها الناس في الطرق المجهولة في البر والبحر، فهم ينظرون إليها متى أرادوا، ويهتدون بها حيث شاؤوا».
وما ذكرنا من طلب الخفّة والسلاسة في العنوان يظهر جليًّا في تغيير المؤلف عنوان كتاب آخر له أيضا، سمّاه أولا «بيان الاستدلال على بطلان اشتراط محلّل السباق والنضال». وهذا العنوان مثل عنوان كتابنا «معالم الموقعين عن رب العالمين» ذكره الصفدي في كتابيه. ولا يخفى ما فيه من ثقل لتوالي الإضافات في السجعة الثانية مع العطف في الإضافة الأخيرة، فاستطال التركيب، فاختار المؤلف فيما بعد عنوانًا آخر فكّ فيه الإضافات، وانتقى كلمات أخرى أخفّ وألطف، وهو «بيان الدليل على استغناء المسابقة عن التحليل». وهذا العنوان الجديد مثل عنوان كتابنا «أعلام الموقعين عن رب العالمين» ذكرهما شهاب الدين ابن رجب (ت 774) في معجم شيوخه (المنتقى:101) وابنه زين الدين ابن رجب (ت 795) في «الذيل على طبقات الحنابلة» (5/ 175)، والأب والابن كلاهما من تلامذة المؤلف.
ومما يدل على أن العنوان الأول وهو «معالم الموقعين عن رب العالمين» الذي ذكره الصفدي أقدم من هذا الذي ذكره ابن رجب: حجمه الذي نص عليه الصفدي، وهو «سفر كبير»، مثل حجم طريق الهجرتين، لا كحجم زاد المعاد الذي في «أربعة أسفار». أما عند ابن رجب فزاد المعاد في «أربعة مجلدات» كما قال الصفدي، وطريق الهجرتين في «مجلد ضخم» كما قال الصفدي أيضا؛ ولكن أعلام الموقعين في «ثلاثة مجلدات»
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،