
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
التنويه والشكر للأعلام الذين اهتمّوا بنشرالتراث الإسلامي في شبه القارة الهندية في ذلك العهد المبكر، ولا سيما بعد دخول الطباعة الحجرية، فأخرجوا عددا كبيرًا من المخطوطات العربية والفارسية لأول مرة. وشارك في هذا العمل علماء مصححون، وخطاطون، وأصحاب المطابع ومديروها. وكثير منهم لا نعرف عنهم شيئا، إذ لم يؤلَّف إلى الآن فيما نعلم ديوان جامع لأسمائهم وتراجمهم وأعمالهم.
وقد وقفنا على نسخة من هذه الطبعة في مكتبة أحمد خيري باشا (1324 - 1387) التي تحتفظ بقسم منها مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. ولقد وددنا لو كانت بين أيدينا عند تحقيق الكتاب لندرسها جيدًا، ونستفيد منها في تعليقاتنا، ولنعرف مدى اعتماد الطبعات التالية عليها، ولكن لم نحصل عليها إلا بعد الانتهاء من التحقيق.
والمنهج المتبع في تصحيح هذه النشرة كما تبيَّن من تصفُّحها أنهم اختاروا من النسخ الثلاث أصحّها في الجملة، وأثبتوا ما ورد فيها في المتن ولو كان مصحَّفا في مواضع. ثم أثبتوا فروق النسختين الأخريين في الحواشي. وليتهم ميَّزوا بين فروقهما، ووصفوا النسخ المعتمدة ولو بإيجاز. ولو فعلوا ذلك لوافقوا طريقة المستشرقين في نشر النصوص مع تفوقهم عليهم بالآتي: - أثبتوا المتن مع إشكاله إذا اتفقت النسخ عليه، وأشاروا إلى صوابه في الحاشية.
- فسروا بعض الكلمات الغريبة مع الإحالة على القاموس أو الصحاح.
- علّقوا تعليقات مفيدة في بعض المواضع.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،