
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الثاني ذكر تحريم الإفتاء في دين الله بغير علم وذكر الإجماع على ذلك. وكان تكملته (في الأصل: «تكمتله» سبق قلم) بكرة نهار السبت تاسع عشر شهر جمادى الأولى من سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، والحمد لله أولا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، وصلواته على محمد وآله. وحسبنا الله وكفى». وهنا تنبيهان: - الأول: أن لفظ «معالم» في هذه الخاتمة غيّره بعضهم ــ ولعله أحد أمناء المكتبة المحمودية في القرن الماضي ــ إلى «اعلام»، وقد فعل ذلك في صفحة العنوان أيضا. وذلك أمر غير مقبول بلا شك، غير أنه يشكر في كلا الموضعين على أنه إذ حاول تغيير لفظ «معالم»، لم يحرص على إخفاء معالم اللفظ، فهي لا تزال تلوح «كباقي الوشم في ظاهر اليد»! - الثاني: أن «وسبعمائة» أيضا ليس بخط الناسخ، وإنما كشط ذلك البعض ما كان مكتوبًا بعد «سبعين»، ثم كتب في موضعها «وسبعمائة» ذاهبًا بها خارج السطر. ومن المؤسف أن عمل الكشط هنا ذهب بالأصل تمامًا. وأول ما خطر ببالنا أن الأصل قد يكون «ثمانمائة»، فغيِّر إلى «سبعمائة» للمغالاة في ثمن النسخة، ولكن مراجعة التقويم لم تصدِّق ذلك، فإن التاسع عشر من جمادى الأولى سنة ثمانمائة وافق يوم الاثنين، وفي سنة تسعمائة وافق يوم الأربعاء، والناسخ قد نصّ على يوم السبت. أما سنة سبعمائة فقد وافق أول جمادى الأولى فيها حسب التقويم يوم الاثنين، وذكر ذلك المقريزي أيضا في كتاب السلوك (4/ 345)، فيكون التاسع عشر موافقا ليوم الأحد، ولا يبعد أن يوافق في بلد الناسخ قبله بيوم حسب رؤية أهل البلد؛ وذلك يدل على صحة «سبعمائة» في النسخة. ولكن إذا كان ذلك هو
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،